تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

ناصر بن محمد بن عثمان المنيع

Professor

عضو هيئة تدريس

التعليم
15 - أأ 1
مدونة

طموح متقد ومعدل متدن

قابلت كثيراً من الطلاب لديهم طموح كبير ورغبة جامحة في إكمال دراساتهم العليا؛ لكن ما يمنعهم من ذلك هو معدلاتهم المتدنية في المرحلة الجامعية؛ فقد وقف تقدير "جيد" حائلا قوياً، وسداً منيعاً دون تحقيق آمالهم وأحلامهم .

 

ويَدّعي بعض هؤلاء الطلاب بمرارة أنهم واجهوا ظروفاً صعبة أثناء دراستهم في مرحلة البكالوريوس لم يتمكنوا معها من الحصول على تقديرات مرتفعة . وسواء اتفقنا معهم في أن ظروفهم كانت سببا حقيقياً مانعاً من حصد التقدير المرتفع أو اختلفنا معهم في أنها ظروف طبيعية يمر بها كثير من الطلاب؛ لكن يبقى أن اهتمام الطالب بعد ذلك تغير وحرصه تطور، ونضجه برز، وتحمَّل مسؤوليات جعلته يفكر بعمق في مستقبله العلمي والعملي.

 

ومما يفلت الانتباه أن بعض الحاصلين على تقدير متدن في مرحلة البكالوريوس يرغب بإلحاح منقطع النظير ويصر بشتى الوسائل والشفاعات على إكمال دراساته العليا ولا مانع لديه من تنفيذ كل شرط في سبيل تحقيق هذه الأمنية . وقد تباينت وجهات نظر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات وأصحاب القرار فيها من رؤساء أقسام وعمداء للكليات حيال قبول أصحاب المعدلات المتدنية في برامج الدراسات العليا؛ فبعض الأساتذة يرفض قبولهم، ويرى أن مرحلة البكالوريوس هي أصدق مرحلة للحكم على الطالب، وكان بإمكانه إثبات قدراته فيها، ولو أخفق لظروف طارئة في فصل أو مادة كان بإمكانه التعويض والاستدراك، ويواصل هؤلاء حججهم بأننا قد جربنا وقبلنا بعض الطلاب من ذوي المعدلات المتدنية فكانت النتائج مخيبة للآمال؛ فأكثرهم لم يستمر في البرنامج، والبقية ساروا سيرا بطيئا متقطعا، وكانوا عبئا على أقسامهم العلمية، ويضيفون -أيضاً- أن لدينا أعداداً متزايدة من الطلاب الذين يحملون تقديرات مرتفعة ويرغبون في إكمال دراساتهم وهم أولى؛ كما أن احتياجات سوق العمل لا تدفع لقبول مزيد من الطلاب . 

 

ويقابل هذا الفريق فريق آخر من أعضاء هيئة التدريس يرون ضرورة استيعاب بعض طلاب المعدلات المنخفضة، وإعطاء الفرصة لهم؛ خاصة ونحن نرى حماسهم المتقد وإصرارهم الدؤوب، بل ربما يوجد في بعضهم من الطموح والحماس والاعداد العلمي والنفسي ما يفوق ما هو موجود لدى بعض طلاب المعدلات المرتفعة . ومن الغريب أنك لو أردت أن تعرف درجة البكالوريوس لبعض أعضاء هيئة التدريس الرافضين لقبول هذه الفئة من الطلاب لوجدته لم يحصل الا على تقدير (جيد) !! .

 

وإن المطلع يقف حائراً بين الفريقين فالأول غَلَّب الجانب العلمي الأكاديمي، والثاني غَلَّب الجانب العاطفي الشخصي، وكل له حججه المقنعة، ومن الصعوبة أن يُقطع بالصواب في هذه المشكلة، وقبل أن أتعجل بالحكم أرى أنه من الحكمة أن أشير إلى تجربتين عاشهما المجتمع السعودي في هذا المجال، 

 الأولى: تجربة "برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي"؛ فقد استوعب هذا البرنامج طوال ست سنوات تقريبا أعداداً كبيرة من الطلاب والطالبات أكثر من (50%) منهم تقديرهم أقل من (جيد جدا)، وقد استطاعوا اتقان اللغة، وحصلوا على الماجستير بتقديرات مرتفعة وبعضهم في زمن قياسي، 
 

أما التجربة الثانية: فهي تجربة التعليم الموازي، وهي من أوسع البرامج التي ساعدت أصحاب المعدلات المنخفضة في الحصول على درجة الماجستير بتقديرات مرتفعة وبعضهم الآن في مرحلة الدكتوراه .

 

إن هاتين التجربتين تثبتان أنه بإمكان طلاب المعدلات المنخفضة أن يكملوا مسيرتهم العلمية، ويتميزوا في برامج الدراسات العليا، ولذلك أرى أنه من الظلم والخطأ القطع التام بعدم قبول أي طالب ممن يحمل تقدير "جيد" ، وأن الوقوف في منتصف الطريق بين الفريقين ووضع بعض الاستثناءات لهذه الفئة وخصوصا في بعض التخصصات هو الصواب . ويمكن تحقيق ذلك باختبارات دقيقة واشتراطات علمية ومواد تكميلية . إن مثل هذه الضوابط بالإضافة إلى اشتراط أن لا يكون المعدل متدنياً جداً قد يكفل لنا اختيار الجاد والمتميز منهم، ونكون بذلك حققنا أمرين،

  الأول: جودة برامج الدراسات العليا، 
 

الثاني: أتحنا الفرصة لقبول بعض الطلاب المتميزين، والذين قد يكون التحاقهم بهذه البرامج والجامعات مكسبا لهم ولنا وللمجتمع .