تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

ناصر بن محمد بن عثمان المنيع

Professor

عضو هيئة تدريس

التعليم
15 - أأ 1
مدونة

برامج الدراسات العليا في الجامعات السعوودية الناشئة بين الحاجة والجودة

تتسابق الجامعات السعودية الناشئة بحماس كبير على استحداث برامج للدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) للجنسين في تخصصات مختلفة، وأصبحنا نسمع ونرى أقسام الكلية الواحدة في هذه الجامعات تتنافس في رفع برامجها إلى المجالس المختلفة، ثم تعلن عن برامجها ومواعيد القبول مباشرة متى ما تم إقرارها من مجلس الجامعة.
إن هذه الخطوة وإن كان سماعها يَسرُّ ويُفرِح، والبعض يُباركها ويراها مظهراً من مظاهر تطور التعليم العالي وتقدمه؛ إلا أن المتابع قد يجد أن الدافع الشخصي والعاطفي والانتصار للمنطقة التي يعيش فيها قد غلب على الجانب العلمي والأكاديمي، ومهما قيل عن انتشار المكاتب الوهمية الداخلية والخارجية التي تُزوِّر الشهادات وتبيعها؛ ووجود عدد كبير من المتعاقدين والمتعاقدات في الجامعات؛ والإقبال المتزايد على الدراسات العليا من الخريجين الجدد والموظفين؛ فلن يبرر هذا ما تطرحه تلك الأقسام من حيثيات للمطالبة بإقرار برامجها العليا، رغم الإقرار بالأسباب الجوهرية والحاجة الملحة لإقامة برامج الدراسات العليا، ولكن يبقى السؤال: هل تملك تلك الأقسام القدرة على تنفيذ البرنامج بشكل كافٍ ومرضٍ؟.
ومن خلال متابعاتي لهذا الموضوع في الفترة الأخيرة وجدت بعض المفارقات الغريبة، فأحد الأقسام في جامعة ناشئة يرفع برنامجاً، وليس لديه إلا عضو هيئة تدريس واحد يحمل درجة (أستاذ مشارك)، والبقية على درجة (أستاذ مساعد) وهم قلة، وقسم آخر استحدث برنامجاً، ثم واجه عجزاً في تدريس الطلاب والطالبات؛ فقام بالتدريس أساتذة من جامعة أخرى، وقسم ثالث ينقل برنامجاً من جامعة أخرى بحذافيره، مع عدم التنبُّه للفوارق الكبيرة بين القسمين من جهة أعداد الأساتذة ومراتبهم العلمية، ومن جهة الخدمات المساندة ، ومما استوقفني أن بعض الجامعات التي لا يزال منسوبوها يأخذون بدلاً مالياً باعتبارها من الجامعات الناشئة، ومع ذلك فقد طرحت عدداً من برامج الدكتوراه لأكثر من تخصص!!.
إن اعتماد برامج الماجستير  -والحالة هذه - خطأ قد يمكن تداركه، لكن الخطأ الأكبر حقاً أن تقوم بعض الجامعات الناشئة باعتماد برنامجي الماجستير والدكتوراه بشكل متزامن.
إن الأقسام الأكاديمية تتحمل تَبِعات نجاح أو تعثر برامجها العليا، لأنها هي مَنْ وضعت الخطط، وأصرَّت على رفعها لمجلس الكلية وغيره من المجالس، وعليها أن تتنبه إلى أن إقرار برنامج ما دون معايير واضحة وسليمة وخطة مُحَكمة؛ سينتج طلاباً ضعافاً، حيث لم يستطع البرنامج بناءهم بناءً علمياً، كما أن سوق العمل لن يتشجع إلى ضمهم واستقطابهم نهائياً!.
وفي ذلك يصح القول , بإن أوْلى ما يجب أن تهتم به الجامعات الناشئة هو العناية الفائقة ببرامج البكالوريوس ومخرجاته أولاً، إذ هو الهدف الرئيس من إنشاء الجامعات سواءٌ أكانت حكومية أم أهلية.
بالإضافة الى أن المؤمَّل , المفترض, من الجامعات الناشئة ومن ثم الأقسام الأكاديمية فيها قبل تشكيل اللجان لوضع البرامج؛ أن تنظر إلى عدد من الأمور من أهمها:
مرور مدة من الزمن على نجاح برامج البكالوريوس وتميُّز مخرجاته، وحاجة سوق العمل للتخصص المقترح،  وأن الراغبين بالدراسة هم من أصحاب المعدلات المرتفعة، ونسبة المقبولين لا تتجاوز (25%) من المتقدمين، ولا تتجاوز (5%) من إجمالي أعداد خريجي البكالوريوس؛ مع وجود كادر تدريسي غير متخم بمواد البكالوريوس، فإذا لم تتوفر هذه المعايير؛ فهناك الكثير من الحلول والمقترحات للأعداد الكبيرة من الطلاب والطالبات الذين يرغبون في الدراسات العليا في تلك الجهات، منها: أن تعقد هذه الجامعات اتفاقيات مع الجامعات ذات الباع الطويل في الدراسات العليا، وذلك لعقد شراكة علمية قد تنتج منها برامج مشتركة.
 ويمكن القول إن برامج الجامعات ذات الخبرة الطويلة في التعليم العالي تتعرض لنقد وتقويم وتصحيح، فما بالك بما قد تقدمه الجامعات الناشئة ؟!
  كما أن التريُّث في طرح برامج الدكتوراه يعد ضرورة علمية حتى يتم تقويم برامج الماجستير أولاً، بالإضافة إلى أن أهم الأمور التي يجب أن يهتم بها القسم؛ توفُّر عددٍ كافٍ من الأساتذة المتميزين ممن يحملون درجة (أستاذ) و(أستاذ مشارك)، وممن عُرفوا بالخبرة وغزارة الإنتاج، وأن يكونوا من أبناء الوطن حتى يُضمن إلى حد ما بقاؤهم في الجامعة.