تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

أمل بنت عبدالله سعد الحسين

Associate Professor

عضو هيئة تدريس بكلية علوم الأغذية والزراعة قسم علوم الأغذية والتغذية

كلية علوم الأغذية والزراعة
المدينة الجامعية للطالبات مبنى 9 - الدور الثالث - مكتب رقم 26
صفحة

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أما بعد:

فإن من نعم الله علينا أن أكمل لنا الدين وأتمم علينا نعمه وأرسل إلينا رسولاً رحيمًا بأمته ينثر بسنته الدرر والحكم والمواعظ والآداب في شتى ميادين الحياة، تتدفق من معين وحس السماء لأهل الأرض فروتها وأحيت القلوب بالإيمان فأثمرت وأينعت فكانت خير أمة أخرجت للناس تؤمن بالله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

ومن تلك الآداب التي يسمو بها الإنسان إلى حياة طيبة كريمة، آداب حسنة متعلقة بسلوكيات تناول الطعام، وينبغي للمسلم تطبيقها والحرص عليها اقتداءً بسيد الخلق نبينا محمد عليه أفضل السلام وأتم التسليم لقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).

وما نشاهده في عصرنا الحاضر أن الكثير من الناس قد تهاون ببعض السلوكيات التي نهجها نبينا الكريم في تناول طعامه وأهملها أو استبدلها بسلوكيات خاطئة لا صحة لها، إلا أنه بالرغم من ذلك لا زال هناك تطبيق مستمر لسلوكيات كانت متبعة من قبله صلى الله عليه وسلم.

وفيما يلي عرض موجز للعلاقة بين السلوكيات المتبعة في عصرنا الحالي والوضع الذي كان يتبع في زمن الرسول × وصحبه الكرام.

- أن ينوي بأكله وشربه التقوي على طاعة الله تعالى: في خضم بحر الحياة هناك أعمال لو أحسن المرء فيها نيته لتحولت من عادة إلى عبادة يرجى له الثواب من ورائها وقد جاء في الحديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

وقد غفل الكثير منا عند تناول الطعام أن يحسن نيته ويقصد به التقوي على العبادة ولا يقصد به التلذذ والتنعم وقضاء شهوة النفس، وقد ذم الله تعالى الكافرين بأكلهم للتمتع والتنعم (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم).

- لا ينوي بإجابة الدعوة الأكل فقط كما يحصل في عصرنا الحالي، بل ينبغي أن يكون مقصده من إجابة الدعوة إكرام أخيه المسلم والاقتداء بالسنة، وقد قال العلامة البهوتي رحمه الله: «ينبغي أن لا يقصد المدعو بالإجابة إلى الدعوة نفس الأكل لأنه سمة البهائم، بل ينوي به الاقتداء بالسنة وإكرام أخيه المؤمن وينوي صيانة نفسه عن مسيء الظن والتكبر ليثاب عليه».

- غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده، يتناول الإنسان طعامه وشرابه عن طريق يديه غالبًا فكانت العناية بهما من الصفات الحسنة التي تتطلع إليها النفوس السليمة المشتاقة إلى الأدب الرفيع. وما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي × قال: «من أحب أن يكثر الله خير بيته، فليتوضأ إذا حضر غداؤه، وإذا رفع». دلالة على استحباب غسل اليدين عند تناول الطعام وبعد تناوله، وفسر بعض العلماء الوضوء في الحديث بأنه غسل اليدين فقط.

- التسمية عند ابتداء الأكل والشرب وحمد الله بعدهما، من السنة أن يسم والشارب قبل البدء، ويحمد الله بعد الفراغ منهما. قال الإمام أحمد: إذا جمع الطعام أربعًا فقد كمل: إذا ذكر اسم الله في أوله، وحمد الله في آخره، وكثرت عليه الأيدي، وكان من حل.

ولفظ التسمية أن يقول الآكل (بسم الله) ففي الحديث قول النبي ×: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك). أما عن ألفاظ الحمد فقد تعددت عنه × بعد الفراغ من الأكل والشرب ومنها (الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفي ولا مكفور)، (الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة).

- الأكل باليد اليمين والنهي عن الشمال، ومن حديث جابر بن عبد الله قول النبي عليه الصلاة والسلام: «لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال». وفي حديث عمر أن رسول الله × قال: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله».

ومع أن الأحاديث في هذا مشهورة لا تكاد تخفى على عامة الناس إلا أن بعض المسلمين لا زال متمسكًا بهذه الخصلة الذميمة وهي الأكل والشرب بالشمال، وإذا قيل لهم في ذلك قالوا هذا أنه أمر اعتدنا عليه ويصعب أن ننفك منه، وهذا دليل على نقص الإيمان في القلوب وشرهم وأخبثهم من فعل ذلك تكبرًا وتجبرًا وقد روي أن (رجلاً أكل عند رسول الله بشماله فقال كُل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال ×: لاستطعت ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه). وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي حتى في حالة الأكل واستحباب تعليم آداب الأكل إذا خالفه.

- الأكل مما يلي الآكل، لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: «يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك». وعلة النهي في ذلك أن الأكل من موضع أيدي الناس فيه سوء أدب وقد يتقذر الآكلين من هذا الفعل.

- لا يحبس المرء نفسه على نوع واحد من الطعام، اعتاد بعض الناس حبس أنفسهم دائمًا على صنف واحد من أنواع الطعام بحيث يقتصرون عليه دون سواه مع أن بإمكانهم التعدد بين صنوف الأطعمة أو كما يفعل البعض عند اتباع الحميات الغذائية يتناولون صنف واحد من الطعام دون غيره، وهذا الأمر بما فيه من مخالفة لهديه × فيه أيضًا إضرار بالجسم.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: «فأما المطعم والمشرب فلم يكن من عادته × حبس النفس على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى ما من سواه، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدًا، فإن لم يتناول غيره ضعف وهلك، فالتقصير على نوع واحد دائمًا – ولو أنه أفضل الأغذية – خطر مضر».

- عدم الإسراف في تناول الأطعمة، يحرم الإسراف في تناول الأطعمة لقوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). قال ابن عباس: «أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب مالم يكن إسرافًا أو مخيلة».

وفي الحديث: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». ولا يخفى علينا ضرر الشبع المفرط من ثقل في المعدة والخمول والكسل وإضعاف القوى والبدن، فعلى المسلم أن يتقيد بما ينفع جسمه ويعينه على أداء عبادته.

- وجوب احترام الأطعمة، ينبغي للمسلم أن يلهج لسانه دومًا بذكر الله وشكر نعمه العظيمة، أن يسأله جلت قدرته دوامها وعليه الحرص التام أن يكون محافظًا عليها، ومن ذلك احترام الطعام والابتعاد عن إهانته وامتهانه، وما نشاهده اليوم من رمي الطعام في أماكن الابتذال ما هي إلا صورة من صورة امتهانه، فعلى المسلم أن يتقي الله في ذلك وليعلم أنه بالشكر تدوم النعم.

- النهي عن عيب الطعام واحتقاره وفيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما عاب رسول الله طعامًا قط، كان إذا اشتهى شيئًا أكله وإن كرهه تركه». وعيب الطعام كقولنا مالح، أو قليل الملح، أو حامض، أو رقيق، أو غليظ، أو غير ناضج، ونحو ذلك قاله النووي.

- عدم التصنع عند الأكل، من الأدب الحسن أن المرء إذا جلس على الطعام متهيئًا للأكل أن يكون بعيد عن التكلف مجانبًا للانقباض فيأكل كعادته، فإن بعض الناس إذا جلس مع غير للأكل تراه لا يأكل إلا قليلاً إما خوفًا من إصابته بالعين، وإما خوفًا بأن يقال فلان أكول أو غير ذلك من الأسباب.

والأولى بأمثال هؤلاء الابتعاد عن هذه الصفة ويستثنى من ذلك إذا كان السبب وجيهًا كقلة الطعام أو عدم الرغبة فيه أو لمرض ألم به.

- الأكل بثلاث أصابع ولا يزيد الرابعة والخامسة إلا إذا احتاج لذلك والدليل على ذلك حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله × كان يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها، فدل الحديث على استحباب الأكل بثلاث أصابع وقد قال ابن القيم «كان الرسول × يأكل بثلاث أصابع وهذا أنفع ما يكون من الأكلات، فإن الأكل بأصبع أو أصبعين لا يستلذ به الآكل ولا يمريه ولا يشبعه إلا بعد طول ولا تفرح آلات الطعام والمعدة بما ينالها في كل أكلة فتأخذها على إغماض، والأكل بالخمسة والراحة يوجب ازدحام الطعام على آلاته وعلى المعدة وربما اسندت الآلات فمات وتغصب الآلات على دفعه والمعدة على احتماله ولا يدل له لذة ولا استمراء فأنع الأكل أكله × وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث ولا يكره الأكل بالملعقة والسنة أن يأكل الإنسان بيده.

- الأكل مطمئنًا لأن الطمأنينة تؤدي إلى إتقان الهضم وسهولته ويحسن بالآكل أن يصغر لقمته ويجيد المضغ ويطيل البلع ولا يمد يده إلى القمة حتى يبلع ما قبلها ويكون بعيدًا عن الشره.

- أكل اللقمة الساقطة وما تناثر من الطعام والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سقطت لقمة من أحدكم فليمط عنها الأذى ولا يدعها للشيطان).

- من أدب الطعام أن لا يقوم الآكل بشمه إلا لحاجة تدعوا لذلك والعلة في الكراهية أنه دلالة على الشره وشم الطعام فيه تشبه بالبهائم وربما أدى ذلك لسقوط شيء من فم أو أنف الآكل في الطعام. ومن حسن الأدب كذلك أن لا ينفخ بالطعام لحديث ابن عباس قال: نهى رسول الله × أن ينفخ في الإناء.

- عدم أكل الطعام وهو حار حتى يبرد والدلالة على ذلك ما ورد عن أسماء بنت أبي بكر أنها إذا أتيت بثريد أمرت به فغطي حتى يذهب فوره ودخانه وقد سمعت النبي يقول هو أعظم للبركة، وفي حديث أنس بن مالك أن رسول الله كان يكره الطعام الحار ويقول: «عليكم بالبارد فإنه ذو بركة، ألا وإن الحار لا بركة له». وأثبت العلم بأن تناول الطعام حارًا يسبب ضررًا وأذى لآكله.

- الشرب أثناء الأكل، كره بعض الفقهاء الشرب أثناء تناول الطعام لأنه مضر للآكل وتركه أثناء الأكل أجود طبيًا، قال ابن القيم: «ولم يكن من هديه × أن يشرب على طعامه فيفسده». ويستثنى من ذلك إذا عطش الشخص أثناء الأكل واحتاج إلى الماء.

- كثرة الأيدي على الطعام والاجتماع عليه مستحبة لما لها من فضائل متعددة وفي حديث عمر قول النبي ×: «كلوا جميعًا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة».

ومن فوائد كثرة الأيدي على الطعام أنه مظهر من مظاهر الأنس والاتحاد ومظهر من مظاهر الإنسانية فنشاهد في عالم البهائم الحرص على الانفراد بالمأكول ومن الفوائد أيضًا تعويد النفس على احترام الغير وحب المساواة، وفي الاجتماع على الطعام تذكير بسنن الأكل لمن نسيها أو غفل عنها.

- ينبغي لمتناول الطعام أن يعرف الصنف الذي يأكله وهذا من هديه عليه الصلاة والسلام وجاء في حديث خالد بن الوليد عنه في قصة أكله الضب أن رسول الله × قلما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمى له. وفي رواية كان لا يأكل شيئًا حتى لا يعلم ما هو.

- عدم التكلف في طعام الضيوف، وهذا يناقض ما نراه في وقتنا هذا حيث أصبح صنع الطعام للضيف من الأمور الثقيلة على النفس لما فيها من تكلف ومشقة على المضيف ونستدل على عدم التكلف بحديث سلمان الفارسي حين دخل عليه ضيوف فقرب لهم خبزًا وملحًا وقال لولا أن رسول الله × نهانا عن التكلف لتكلفت لكم. وفي حديث آخر قوله عليه الصلاة وأتم التسليم: (لا يتكلفن أحد لضيفه مالا يقدر عليه).

- أرشد النبي عليه السلام من اتصف بكونه يأكل ولا يشبع إلى الاجتماع على الطعام وذكر اسم الله عليه، فقد سأل بعض أصحاب النبي فقالوا يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع فقال: (لعلكم تأكلون متفرقين؟) قالوا: نعم، قال: (فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه).

- يستحب الحلو من الأطعمة بقدر الحاجة لمن لا تسبب له هذه الأطعمة ضررًا لقوله تعالى: (ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) ولحديث عائشة رضي الله عنها بأنه × كان يحب الحلوى والعسل ولم يكن حبه لهذا الصنف يدل على كثرة التشهي له وإنما كان ينال منها إذا أحضرت له نيلاً صالحًا فيعلم بذلك أنها تعجبه.

- تحريم الأكل في آنية الذهب والفضة والدليل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها). ولقد ابتلينا اليوم من بعض المسلمين بالتقليد السافر للمائدة الغربية كتناول الطعام باليد اليسرى واستعمال أواني الذهب والفضة وهذا أمر يحتاج المسلم إلى التوبة منه والرجوع إلى تعاليم دينه فتلك هي العزة الخالدة.

- يستحب إذا فرغ المرء من الأكل إذا كان مع جماعة أن لا يطيل الجلوس من غير حاجة ويدل على ذلك قوله تعالى: (فإذا طعمتم فانتشروا).

- انتشرت بين الأطفال اليوم حلوى على هيئة خنـزير أو كلب أو قرد أو حذاء أو باطن قدم مما يجعل الطفل يعيش في تناقض بين ما تربى عليه من آداب إسلامية رفيعة وبين هذه العادات القبيحة، ولاشك أن هذه آفة خطيرة تهدد الجهود التربوية.

وأخيرًا فإن آداب الطعام لهي بحق ثروة من ثروات الأمة الإسلامية والتي تكمن فيها بعض أسرار تميزها عن غيرها من الأمم ولذا يجب علينا إحياؤها والمحافظة عليها والتصدي لما يخالفها من عادات غربية لا أساس لها.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،