تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

هيا ابراهيم الجوهر

Associate Professor

عضو هيئة تدريس

كلية الصيدلة
8,2,s71
مدونة

نفايات الماغ

نفايات الدماغ

 

د. هيا إبراهيم الجوهر

 

تخيل لو ترك مطبخ بيتك دون تنظيف ليوم أو أكثر، ولو أن عمال النظافة أضربوا عن العمل في مدينتك ستشاهد كمية مهولة من النفايات، ولو استمر الحال لم يستطع أحد المشي في الشوارع أو دخول الأسواق!

بالضبط هذا ما يحدث في جسدك الذي يعمل طوال اليوم وينتج كمية كبيرة من المخلفات، فأين تذهب؟ لقد أجاب العلماء عن جزء من هذا السؤال؛ فقد وجدوا أن الجسم يحتوي على جهاز ليمفاوي يقوم بهذه المهمة فيجمع المخلفات من الجسم ويعيدها إلى الدورة الدموية كي يتم التخلص منها هناك، ولكن الغريب أن المخ الذي يدير الجسم كله ويستهلك ربع طاقة جسدك رغم أن حجمه لا يتجاوز 2 في المائة من حجم الجسد،لا يوجد فيه جهاز ليمفاوي، إذا أين تذهب فضلاته؟

منذ ألفي عام قال العالم "جالين" وهو أحد أبرز الباحثين الطبيين قديما، إننا عندما نكون مستيقظين تتدفق عصارة عقولنا لكل أعضاء الجسم الأخرى فتنشطها وتترك المخ جافا! واستطرد، وحين ننام تعود تلك العصارة إلى المخ سريعا لتعيد ترطيبه وينشط العقل من جديد، واعتبر كلامه قبل الاكتشاف الذي سنتحدث عنه الآن سخيفا غير ذي معنى، فقد حاول إيصال فكرة أن النوم ينقي عقولنا بينما بقاؤنا مستيقظين لفترات طويلة يلوث عقولنا. ألم يستخدموا الحرمان من النوم كوسيلة من وسائل التعذيب تُفقد الإنسان قدرته على التركيز والتفكير تماما وقد يجن، ولكن لم يتمكن أحد من فهم ما يقول رغم معرفتنا لكثير من أسرار النوم التي لم يكن يعرفها "جالين" نفسه.

لقد قامت مجموعة من الباحثين بالتعمق داخل المخ لفهم آلية تخلصه من مخلفاته فاكتشفوا شيئا مذهلا، لقد وجدوا أن تجويف الدماغ يحتوي على سائل نقي يدعى "سائل الحبل الشوكي" يملأ المساحة المحيطة بالمخ فيجمع المخلفات منه، والمثير في الموضوع أن المخلفات لا تخرج بعشوائية بل هناك شبكة من أنابيب متخصصة تسهل وتنظم هذه العملية وتمتد على طول السطح الخارجي للأوعية الدموية المغذية للمخ، وهنا تتجلى عظمة الخالق سبحانه، فمساحة المخ لا تسمح بوجود شبكة أوعية أخرى للجهاز الليمفاوي، والتصاق أنابيب السائل بالأوعية الدموية مكن هذا السائل من الوصول إلى كل أجزاء المخ وتلافيفه بسهولة، والعجيب أن تدفق هذا السائل لا يحدث إلا خلال النوم التام للمخ!

حيث تنكمش خلايا المخ وتتفتح المسافات بين تجاويفه فيمر السائل ويزيل المخلفات، وهذا هو السر الذي اكتشفه "جالين" قبل ألفي عام! فالمخ يؤجل عملية التنظيف حتى نهاية اليوم حين يلجأ الإنسان إلى فراشه وتسكن حركته، ولو بقيت فيه لدمرته.