تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

أ. د. راشد بن حسين العبد الكريم

Professor

قسم المناهج وطرق التدريس

التعليم
0000
مدونة

​توجيهات لدخول الاختبار الشامل

توجيهات لدخول الاختبار الشامل
يعد الاختبار الشامل، الذي يطلب من كل دارس دكتوراه الجلوس له، من أكثر المراحل حرجا في دراسة الدكتوراه، وأكثرها تسببا في الضغط النفسي للطلاب، ويمكن أن يشبه بحق بعنق الزجاجة بالنسبة لتلك المرحلة. فهو يأتي بعد إرهاق المقررات الدراسية، وبعد إجهاد النفس في الحصول على معدل متميز، ويتم فيه اختبار تحصيل الطالب الكلي في المجالات الأساسية من برنامجه الدراسي، ليتم بناء على ذلك تقرير مدى استحقاقه للبدء بكتابة رسالة الدكتوراه بوصفه مرشحا للحصول على تلك الدرجة. ويعد الإخفاق في هذا الاختبار كابوسا يرعب كثيرا من الطلاب، لأن الإخفاق فيه يعني خروج الطالب من البرنامج صفر اليدين.
ومع أن التحصيل الدراسي خلال مدة البرنامج عامل أساس في الاستعداد لهذا الاختبار، بالإضافة إلى المذاكرة والدراسة المركزة استعدادا للاختبار،  إلا أن هناك بعض النقاط التي ينبغي التذكير بها، والتي أرجو أن تساعد الطالب على الأداء الحسن في هذا الاختبار.
الاستعانة بالله ..
أول خطوة أوصي بها الاستعانة بالله وصدق اللجأ إليه، وطلب الإعانة منه، والإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله. فالاختبار الشامل عبء بدني ونفسي واجتماعي يسبب قلقا شديدا للطالب، وخير من يلجأ إليه في تسهيل ذلك هو الله جل وعلا. فكل الجهد الذي يبذله الطالب لا ينفعه إلا لم ييسر الله له الأمور. فعليك الاستعانة ب (لا حول ولا قوة إلا بالله) فهي كنز من كنوز الجنة، وكذلك أكثر من قول (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وإنت إذا شئت تجعل الحَزْن سهلا)، كما ورد في الحديث. ولا تعتمد على حولك وقوتك واستعدادك وقوة فهمك، بل تبرأ من كل حول وقوة إلا بالله، مع بذل ما تستطيع من الأسباب.
البدء المبكر
من المهم البدء المبكر قبل الاختبار، وتحديد المادة العلمية والمفاهيم الأساسية التي يجب مذاكرتها، والبدء بوضع خطة للمذاكرة. فالاختبار الشامل عادة يشمل عددا من المجالات التي يصعب تغطيتها في وقت قصير. وافترض أن أقل مدة للاستعداد المركز للاختبار الشامل هي شهران، وأقل من ذلك قد توقع الطالب في ضيق من الوقت.
التركيز على القضايا الأساسية في المجال العلمي
في كل مجال علمي هناك قضايا اساسية يجب أن لا يتخرج الطالب إلا وقد فهمها وربما حفظ معلوماتها الأساسية. ومن أهداف الاختبار الشامل التأكد من إحاطة الطالب بهذه المفاهيم واتقانه لها. ولذلك فمن المفيد أن يحدد الطالب لك المفاهيم ويدرسها درسا متعمقا بحيث تكون واضحة في ذهنه. فمثلا في تخصص المناهج وطرق التدريس، هناك قضايا اساسية مثل: تعريف المنهج وأنواع المنهج، و اسس المنهج (الفلسفي والاجتماعي والنفسي والعلمي وغيرها) ومكونات المنهج (الأهداف والمحتوى وخبرات التعلم والتقويم). هذه القضايا – ونحوها من القضايا - يجب أن تكون معلومة بشكل عميق وواضح، بحيث يمكن للطالب أن:
- يتحدث عنها ويشرحها
- يوضح أي إشكال قد يرد عليها ، مثل ما الفرق بين كذا وكذا، أو يمكن أن يتم كذا مع وجود كذا.
- كيف يمكن الاستفادة من هذه الأشياء عمليا، أي كيف يمكن توظيفها في المجال العملي التطبيقي للتخصص.
فيجب أن لا يكون إدراك الطالب لهذه القضايا الأساسية أو الأسئلة الكلية في التخصص إدراكا سطحيا وعاما، بحيث يحفظ أو يستطيع أن ينشئ كلاما عاما عنها، فهذا غالبا يدركه غير المتخصص، كما أنه لا يفيد الطالب عندما يريد أن يكتب عنها كتابة عميقة تحليلية أو إبداعية. بل سيكون كلامه إنشائيا يدرك معه المتخصص (والمصحح للاختبار) أنه لم يتمكن من الموضوع الذي يتكلم عنه.
وهذا قد يستلزم وضع خطة للمذاكرة، يحدد فيها ما الذي يحفظ وما الذي يفهم .. وما الذي يحتاج إلى أمثلة تطبيقية. ونحو ذلك. وقد يكون من المفيد وضع أسئلة افتراضية والإجابة عنها، ثم يقوم الطالب بمراجعة إجابته، أو يجعل أحدا يصححها له، ليتبين لها جوانب النقص فيها، والمواطن التي واجه فيها صعوبة عند الإجابة.
تنظيم الإجابة
من الأشياء التي تزيد احتمالية زيادة الدرجة على الإجابة تنظيم الإجابة. فبعض الطلاب يبدأ في الإجابة دون رؤية واضحة لما ستكون عليه. ومع أن الطالب في الاختبار يكون، بالإضافة إلى الضغط النفسي، تحت ضغط الوقت، إلا أن أخذ ثوان بعد فهم السؤال لتنظيم الإجابة، يساعد على التركيز ويزيد من احتمالية إقناع المصحح بالإجابة، ويعطي انطباعا عن الطالب بأنه يكتب كتابة أكاديمية. ومع أن كثير من الطلاب لم يتدرب على فنيات الكتابة العلمية، إلا أن أساسياتها يجب أن تكون حاضرة لدى طالب الدكتوراه. فكل إجابة يجب أن تبدأ بمقدمة تلخص الإجابة من جهة ومن جهة أخرى ترسم مخططها. مثال: (الإجابة على هذا السؤال بشكل عام هي (نعم)، لكني سأشرح وجهة نظري ومبررات رأيي حسب الآتي..). أو : (لأجيب على هذا السؤال سأقدم بمقدمة ضرورية تبين الإطار النظري لإجابتي ...) ونحو ذلك. وبشكل عام يجب أن تبدا الإجابة بمقدمة ثم الإجابة ثم خاتمة تلخص فيها الإجابة. أو كما تقول العبارة الشهيرة (أخبرهم ماذا ستقول .. ثم قل.. ثم أخبرهم ما قلت.) أعرف أن هذه الطريقة تحتاج إلى مران وربما تحتاج إلى كتابة مسودات للإجابة، لكن التدرب عليها من خلال أسئلة افتراضية يجعل الأمر إلى حد ما سهلا.
التوظيف المتعدد للمفاهيم الأساسية
هذه استراتيجية أوصي بها دائما، وأرى أنها مفيدة جدا. في كل تخصص تقريبا هناك عدد من المفاهيم المركزية التي يمكن توظيفها في سياقات كثيرة داخل التخصص، خاصة في الجانب التطبيقي منه. فمثلا (اسس المنهج) يمكن أن يكتب عنها الطالب بوصفها جزءا نظريا مهما عند الحديث عن المناهج، ويمكن أن يكتب عنها بوصفها مؤثر فاعل في تطوير المنهج، ويمكن أن يوظفها بوصفها عامل من العوامل التي تدعو لتطوير المنهج، ويمكن أن يستخدمها كإطار لنظرية المنهج. وغير ذلك. فهي مفاهيم محددة لكن لمركزيتها يمكن أن توظف تقريبا في أي سؤال يتعلق بالمناهج. لكن لكي تستفيد من هذه الاستراتيجية يجب أن "تستوعب" تلك المفاهيم بشكل عميق وواضح، وتدرك علاقتها بكل نواحي المجال العلمي (التخصص)، ولا يكفي في ذلك المعرفة السطحية. 
ذكر المصطلحات المشهورة في المجال
في كل مجال علمي هناك عدد من المصطلحات المتداولة بين المتخصصين فيه، ومن سمات الكتابة الأكاديمية اشتمالها على تلك المصطلحات وتوظيفها بشكل واضح ودقيق، خاصة ما كان منها حديثا. ولعل هذا من الفوارق الأساسية بين الكتابة الأكاديمية والكتابة غير الأكاديمية. وهي أيضا من الفوارق بين كتابة المتخصص وغير المتخصص. فاحرص على استخدام تلك المصطلحات وبيان ما تعنيه بها عند أول استخدام لها، لكن انتبه من استخدام تلك المصطلحات في سياقات لا تخدم المعاني الدقيقة والخاصة التي وضعت لها. فمثلا مصطلح "التعلم النشط" أو "البنائية" أو "التصميم التراجعي للمقرر" ونحو ذلك، من المصطلحات الحديثة والتي لا تكاد يخلو منها كتابة أكاديمية عن المناهج أو طرق التدريس. لكن عند استخدامك لأي مصطلح تأكد أنك تعرف المعنى العلمي الصحيح له، وليس فقط المعنى العام الذي يدل عليه المصطلح اللغوي. وربما يكون إيراد سطر أو سطرين (أو أكثر إذا كان مناسبا) في توضيح المعنى العلمي لذلك المصطلح مفيدا في إعطاء الطابع الأكاديمي لإجابتك، ولإظهارك بمظهر المتمكن من مجالك العلمي.
الاعتماد على أشهر المراجع الأساسية في المجال (أو علماء المجال)
أيضا مما يزيد الإجابة قوة ويظهر الطالب بمظهر الباحث الأكاديمي المتخصص ذكر أهم المراجع في المجال الأكاديمي الذي يدرس فيه الطالب، والاعتماد عليها في دعم أقواله. كذلك إيراد أقوال أشهر الباحثين والعلماء في ذلك المجال ونسبة الأقوال لهم. فمثلا، لا يتحدث عن (الذكاءات المتعددة) إلا ويقرنها بصاحبها هاورد جاردنر، ويشير إلى كتابه في هذا المجال (أطر العقل)، وعندما يشير إلى (الفصل المقلوب) يذكر أشهر الأسماء أو الكتب التي ارتبطت بهذا المصطلح. الاعتماد على المراجع الأساسية في كل مجال من الأشخاص أو الكتب وذكرها في الإجابة يعطي الكتابة المسحة الأكاديمية العلمية، ويعطي انطباعا لدى المصحح بتمكن الطالب من الموضوع. لكن انتبه فالمبالغة في ذكر الأسماء دون وجود علاقة دقيقة بينها وبين الموضوع قد يعطي انطباعا معاكسا لدى المصحح.
تأكد من فهم السؤال
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الطلاب، التعجل بكتابة الجواب قبل فهم السؤال. ولذلك قد يرى المصحح أن الطالب رغم ما كتبه من صفحات لم يجب عن السؤال! ولذلك من المهم التأكد من فهم السؤال وعدم الاكتفاء بالقراءة السريعة له. فعادة تكون أسئلة الاختبار الشامل أسئلة عميقة وتعتمد على التحليل والتفكير الناقد، وتحاول أن توظف التفكير الإبداعي، وليس فقط قياس الحصيلة المعرفية. فمعرفة ماذا يريد السؤال بالتحديد أساس في كتابة إجابة صحيحة. ولعل مما يساعد في هذا أن تقوم بعد قراءة السؤال وفهمه بكتابة إجابة مختصرة في جملة واحدة وتتأكد أنها فعلا تجيب عن السؤال، قبل أن تبدأ في كتابة الإجابة المفصلة، لأنه إذا لم تكن الإجابة واضحة فمن السهل أن يستطرد الطالب للحديث عن قضايا جانبية قد لا تكون هي الجواب المطلوب، وإنما من القضايا المرتبطة به.
أكتب كتابة أكاديمية
كثرة الكتابة لا تعني الإجابة على السؤال. هذه قاعدة يجب أن لا تغيب عن ذهن الطالب. فالكتابة الأكاديمية لا تعني بالضرورة كثرة الكلام! نعم، التوسع في الشرح والإفاضة في الأمثلة قد تكون مفيدة، لكن بعد أن يقدم الطالب كلاما علميا أكاديميا. ولذلك فعلى الطالب البعد عن الحشو من الكلام حتى لا يتوهم أنه يجيب عن السؤال وهو في الحقيقة لم يجب عنه. والكتابة العلمية تعتمد على اللغة المنضبطة المحددة، وعلى تقديم الدعوى بأدلتها مع التمثيل عليها إن لزم الأمر. وينبغي البعد عن الكلام الإنشائي الذي يعتمد على المترادفات التي لا تفيد في جانب المعنى. ومن أمثلة الحشو في الكتابة: (مجالا واسعا ورحبا .. مجالا واسعا وطريقا رحبا وأفقا واسعا) و (مما لا شك فيه ، ومما لا يختلف فيه اثنان ) و (يعد التقدم العلمي ثورة بكل المقاييس، غيرت وجه العالم بما لم يسبق له مثيل ..) ونحو ذلك من العبارات التي تصلح في الخطب أو الكتابة الأدبية والصحفية، لكن لا قيمة لها في الكتابة العلمية.
أيضا من أسس الكتابة الأكاديمية الكتابة بلغة عربية صحيحة، وهذا للأسف ما يخفق فيه كثير من طلاب الدكتوراه، وهو ما يجب أن يجب يعطى عناية أكبر من الطلاب ومن الأساتذة أيضا. وأنا هنا لا أطمح أن يكتب الطالب كما يكتب أعلامُ العربية وكتابها المشهورون، لكن هناك حدا أدنى من القواعد العربية التي لا يعذر أكاديمي بجهلها. فالحكم الإعرابي للمبتدأ والخبر أو لمتعلقات (إن) و (كان) أو المضاف إليه ونحو ذلك من القواعد الأساسية، من الأشياء التي لا يصعب على طالب الدكتوراه إتقانها. ويعد الخطأ فيها علامة على قلة اهتمام الطالب بلغته وكتابته، وقد تكون مؤشرا على ضعفه في القراءة بشكل عام.