تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

سلوى محمد الصالح | Salwa M. Alsaleh

Associate Professor

Theoretical Particle Physics

كلية العلوم
مبنى 5، الدور 3 . رقم المكتب 221
مدونة

ما هي ميكانيك الكم ؟

 

تلفت النظرية الكمومية انتباه الكثير من غير مختصي الفيزياء بسبب سمعتها الكبيرة بكونهـا صعبة الفهم و شديدة الغرابة بالنسبة لنا. و من هنا يقرأ الكثير عنها، ليزيد ذلك – عادة – من حيرتهم تجاهها . في حقيقة اﻷمر، ميكانيك اﻷمر حقا غير مألوفة لنا و تبو صعبة الفهم ﻷنها مبنية على أسس رياضية عميقة ، لا غنى عنها ﻷن ميكانيك الكم لا يمكن أن تعتمد على خبرتنا في مراقبة الطبيعة، ﻷننا كائنات لا تستشعر اﻵثار الكمومية مباشرة ، بل النتائج اﻹحصائية لها.

تلاحظون هنا أننا لم نستخدم مصطلح " كائنات": كلاسيكية، لأنه لا يوجد أي شيء " كلاسيكي" كل الجمل الفيزيائية هي جمل كمومية فقــط و لا وجود لجمل كلاسيكية، أيًا كانت ما تعنيه هذه الكلمة .

ولكن الفرق بيننا، أو أي جملة قد يطلق عليها كلاسيكية ، وبين الإلكترونات و غيرها من الجملة التي تدرس في ميكانيك الكم هو حجم اﻷثر الكمومي، . بسبب أننا نتكون من عدد مهول من الجمل الكمومية الصغيرة، فإننا نستشعر اﻵثار اﻹحصائية لمسانيك الكم، و التي يطلق عليها ، الميكانيك الكلاسيكي.

من هنا تنبثق معضلة كبيرة حول عملية التكميم والتي يقصد بها تحويل جملة كلاسيكية إلى أخرى كمومية ، بشكل أو بآخر. فإن كانت الجمل الكلاسيكية لا وجود لها حقيقة، كيف نتنقل منها إلى جمل كمومية ؟ باﻹضافة لذلك ، الجمل الكمومية أوسع رياضيا من تلك الكلاسيكية، و تحتوي على " معلومات " أكثر ، بالتالي من أين سنحصل على المعلومات

الناقصة خلال عملية التكميم ؟؟

 

قبل أن نناقش ميكانيك الكم يجب علينا، و ﻷسباب واضحة – كوننا نألف الميكانيك الكلاسيكي- البدء بتعريف الجمل

الكلاسيكية .

المتغير الديناميكي في الجملة الكلاسيكية هو كمية مقاسةتأحذ قيما ما – عند إجراء عملية القياس-، و هذه القيم هي مجموعة جزئية من اﻷعداد الحقيقة، و تأخذ قيمًا مستمر ة . أي إن الكميات الفيزيائية المألوفة كالموضع، كمية الحركة، الطاقة .. إلخ تأخذ قيما مستمرة ( غير متقطعة) و تكون فترة ما من اﻷعداد الحقيقة . بالتالي إن عبرنا عن المتغيرات الديناميكة في الميكانيك الكلاسيكي، ستكون عبارة عن توابع على اﻷقل مستمرة ،

ولكن هذا لا يمكن أن ينطبق على ذرة الهيدروجين ، أو حتى أي ذرة، ﻹنه إن أخذت قيم الطاقة " طيفًا" مستمرًا من القيم المقاسة، و حسب اﻹلكتروديناميك فإن استقرار الذرة أمر مستحيل،، ﻷن قوانين اﻹلكتروديناميك الكلاسيكي ينص أن أي شحنة تحت تسارع تشع اشعاعًا كهرومغناطيسيًا، و بالتالي تفقد طاقة حركية، و منه فإن استقرار اﻹلكترونات – المشحونة- في مداراتها أمر غير ممكن وفق الفيزياء الكلاسيكية.

http://i.stack.imgur.com/0KSs0.png

Illustration 1: بئر الطاقة الفعال لجسيمين كلاسيكيين بينهما قوة تجاذب مركزية . قيم طيف الطاقة تأحذ قيما مستمرة

بل وجد تجريبيا أن قيم طيف الطاقة في ذرة الهيدروجين متقطعة و ليست مستمرة و هذا يتناقض تمامًا مع الفيزياء الكلاسيكية،

بالحقيقة، لايوجد لدينا أي وسيلة في الفيزياء الكلاسيكية للتعبير عن طيف طاقة متقطع، كما في سويات الطاقة لذرة الهيدروجين، أو حتى خليط بين طيف ميتمر و آخر متقطع كما في شرائط الطاقة في مادة صلبة

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/5/55/Hydrogen_molecular_ion_dressed_in_photons.png/400px-Hydrogen_molecular_ion_dressed_in_photons.pngIllustration 2: في ميكانيك الكم، تأخذ الطاقة قيما متقطعة كما في سويات الطاقة لذرة الهيدروجين، أو مزيجا من القيم المتقطعة و المستمرة كما في شرائط الطاقة

طبيعة الطيف هذه تقودنا نحو إعادة التفكير في الوصف الكلاسيكي و استبداله بوصف رياضي مختلف تمامًا و قد وجد أن استخدام " مؤثرات" في " فضاء هليبرت العقدي" هو الحل اﻷمثل لوصف إلكترونات ذا النوع من اﻷطياف بدلًا من التوابع المستمرة . لايهم للقارىء الغير مختص تعريف المصطلحات السابقة، و لكن ما يهم و ما يجب إدراكه هو الفرق الكبير بين وصف الميكانيك الكلاسيكي و نظيره الكمومي .

لا يتوقف اﻷمر فقط بطبيعة طيف الكميات الديناميكية المقاسة ، ولكن أيضًا وجد أن " القياس" في ميكانيك الكم يغير من طبيعة الجملة المقاسة ، هذا لايعتمد على من أو ما يقيس تلك الجملة، بل هذه خاصية في بنية ميكانيك الكم لاتعمد على على تفاصيل عملية القياس.

قد ظهر هذا جليا في تجربة شتيرن-جيرلاخ الشهيرة

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/3/35/Sg-seq.svg/640px-Sg-seq.svg.pngIllustration 3: تجربة شتيرن-جيرلاخ

تتكون هذه التجربة من تمرير شعاع إلكترونات – لها عزم مغناطيسي- من جهز شتيرن-جيرلاخ، الذي " يفرز اﻹلكترونات حسب اتجاه العزم الكغناطيسي للإلكترونات مع محور ما لنقل أنه المحور السيني مثلًا.

وُجِد أن التوجهات الممكنة للعزم المغناطيسي هي توجهين، إما – مثلا- للأعلى أو اﻷسفل، و هذه قيم متقطعة للكميةالمقاسة . و لكن ليس هذا فقط، بل و جد أيضا أن بعد معرفة توجه العزم المغناطيسي في محور معين، ثم قياس توجهها لمحور آخر، يؤدي لتغيير توجهها بالنسبة للمحور الأول. هذا لا يمكن تفسيره سوى بالقول أن الجمل الكمومية حقًا تتغير بفعل القياس !

لا يتوقف اﻷمر هنا و حسب، بل و بفضل الطريقة التي تنبنى فيها ميكانيك الكم رياضيًا، يمكن القول أكثر من ذلك، يمكن القول أن الجمل الكمومية التي لم تخضع لقياس ( تفاعل مع جملة " كلاسيكية " ) لا تحمل قيمًا ديناميكية معرفة . فلا معنى مثلا قول أن اﻹلكترون الذي لم يقاس موضعه له موضع معرف، أو له مسار محدد ، و اﻷمر سيان بالنسبة ﻷي كمية أخرى . و هذا يعني، أن الفيزياء الكلاسيكية، ليست فقط مهمة كنتيجة إحصائية لميكانيك الكم، بل أيضا مهمة في البنية لها. إذ نحتاج للفيزياء الكلاسيكية ، لتعريف المتغيرات الديناميكية كالموضع، كمية الحركة، كمية الحركة الزاوية، العزم ءالمغناطيسي و غيرها !

هذه الحقيقة تدعم الذين يعملون على التكميم، بدلا من اﻹنطلاق مباشرة من جملة كمومية .

 

الحقيقة لثالثة حول ميكانيك الكم، و التي يمكن القول أنها اﻷكثر " إزعاجًا" من ناحية فلسفية أساسية هي أنه جل ما نطيق التنبؤ به نظريًا / و بالتالي تجريبًا من نتائج القياس هي إحتمالات ظهور قيم معينة من بين طيف القيم الممكنة لنتائج القياس

عند التفكير مليًّا في اﻷمر، نرى أن هذه الحقيقة حول الطبيعة مزعجة للغاية ، فكيف يمكن أن تختلف نتائج القياس بناءً على " الحظ" أو الصدفة المحضة، و اﻷسوأ من ذلك هو اﻷخذ بعين اﻹعتبار واقع أن الجمل الكمومية تتغير مع القياس، و لا

يمكننا معرفة – بشكل حتمي- كيف ستتغير الجملة الكمومية بعد قياسها

 

إن هذه الخاصية في الجمل الكمومية هي ما قد ازعج أينشتاين كثيرًا، فكيف يمكن للطبيعة ألا تكون حتمية ؟! هذا قد دفع العلماء للبحث عن تفسير لميكانيك الكم ، أشهرها تفسير كوبنهاجن ، الذي في الحقيقة لا " يفسر" غياب الحتمية أكثر من كونه يتقبلها و حسب . تأتي تفسيرات أخرى ، كتفسير العوالم المتعددة الذي ينص أن كوننا عبارة عن مجموعة كبيرة من النسخ التي تحتوي كل منها أحد احمالات نائج القياس ، و عند إجراء القياس فإن الجملة الكلاسيكية التي " تُجري" القياس ستكون في أحد نسخ الأكوان هذه. بالرغم من غرابة هذا التفسير إلا أنه قد يكون صحيحًا و لكن اﻵن ليس لدينا ما يدعمه من تجارب .

أحد التفسيرات الأخرى حول غياب حتمية الجمل الكمومية هي كون البنية الحقيقية للزمكان بنية عشوائية ، و بالتالي فإن البنى الميكروية لابد أن تكون لاحتمية .
فمثلا ليكن لدينا متغير ديناميكي
ω
فإن هذا المتغير يعبر عنه بجزئين، اﻷول جزء " حتمي" و اﻵخر عشوائي .

 

وبالتالي فإن اللاحتمية هي اﻷصل ، و الحتمية التي نراها في الجمل " الكلاسيكية" ليست سوى نتيجة إحصائية للأعداد الكبيرة .

 

 

فهرس المصطلحات:

 

جملة كلاسيكية/كموكية : Classical / Quantum System

تكميم : Quantisation
متغير ديناميكي : Dynamical variable

عملية القياس : Measurement

: Continuous مستمر

متقطع : Discrete

تابع مستمر : Continuous function
مؤثر : Operator
فضاء الطور : phase space

فضاء هيلبرت العقدي : Complex Hilbert Space

طيف: Spectrum

سويات الطاقة : Energy levels

شرائط الطاقة : Energy bands

شتيرن-جيرلاخ : Stern Gerlach

عزم مغناطيسي : Magnetic moment

حتمية : Determinism

تفسير كوبنهاجن : Copenhagen interpretation

تفسير العوالم المتعددة : Many-Worlds interpretation

التفسير العشوائي : Stochastic interpretation

 

 

References:

 

 

J. von Neumann, Mathematical Foundations of Quantum Mechanics (1932), Princeton University Press, 1955

 

G. Mackey, Mathematical Foundations of Quantum Mechanics, W. A. Benjamin, 1963 (paperback reprint by Dover 2004).

 

D. Edwards, The Mathematical Foundations of Quantum Mechanics, Synthese, 42 (1979),pp. 1–70.

 

R. Shankar, "Principles of Quantum Mechanics", Springer, 1980.

 

G. Giachetta, L. Mangiarotti, G. Sardanashvily, "Geometric and Algebraic Topological Methods in Quantum Mechanics", World Scientific, 2005.

 

N. Weaver, "Mathematical Quantization", Chapman & Hall/CRC 2001.

 

Khavtain Namsrai (1985). Nonlocal Quantum Field Theory and Stochastic Quantum Mechanics. Springer. ISBN 90-277-2001-0.

 

Fredrich Schuller (2015) Lecture series on quantum theory