تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن مساعد خلف الفالح

Professor

عميد مؤسس لكلية العلوم والدراسات الإنسانية بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز

كلية العلوم
مبنى 5 - مكتب 1ب3
مدونة

الوعي البيئي في المجتمع Environmental awareness

المحافظة على البيئة مسئولية الجميع ويطلق العلماء لفظ البيئة على مجموع الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات الحيوية التي تقوم بها . ويمكن تعريف علم البيئة بأنه (العلم الذي يهتم بدراسة التفاعلات المتبادلة بين الكائن الحي وعوامل الوسط الذي يعيش فيه).
يعد الإنسان من مكونات البيئة فنجده يتفاعل مع مكوناتها حوله في الوسط الذي يعيش فيه يتأثر بها ويؤثر فيها، و هذا يتطلب من الإنسان - وهو العاقل الوحيد بين صور الحياة - أن يتعامل مع البيئة بحكمة واعتدال، يستثمرها دون إتلاف أو تدمير أو إسراف... ولعل الفهم الشامل لطبيعة مكونات البيئة والعلاقات المتبادلة فيما بينها يمكن الإنسان من أن يوجد ويطور ظروفاً بيئية أفضل لحياته وحياة أجياله من بعده.
 
مسببات اختلال التوازن البيئي
إن أي نظام بيئي على جانب من التعقيد لما يحتويه من كائنات حية متنوعة وعلاقات متبادلة فيما بين الكائنات من جهة وبينها وبين الظروف البيئية من جهة أخرى ، ومعنى هذا وجود شبكة من العلاقات هي أساس التنظيم الذاتـي المتبادل بين الطبيعة والحياة . وهذا التعقيد هو أحد العوامل الأساسية في سلامة كل نظام بيئي ، إذ أنه يحد من أثر التغيرات البيئية ، أما إذا تتابعت التغيرات البيئية فإنها تحدث خلخلة في توازن النظام البيئي واستقراره.
إن التفاعل بين مكونات البيئة عملية مستمرة تؤدي في النهاية إلى احتفاظ البيئة بتوازنها ما لم ينشأ اختلال نتيجة لتغير بعض الظروف الطبيعية كالحرارة والأمطار أو نتيجة لتغير الظروف الحيوية أو نتيجة لتدخل الإنسان المباشر في تغير ظروف البيئة (Larryl. 2006).. فالتغير في الظروف الطبيعية يؤدي إلى اختفاء بعض الكائنات الحية وظهور كائنات أخرى، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي والذي يأخذ فترة زمنية - قد تطول أو تقصر - حتى يحدث توازن جديد. ومن أهم مسببات اختلال التوازن البيئي ما يأتي:
1.     تغير الظروف الطبيعية
يعد تغير الظروف البيئية من أبرز مسببات اختلال التوازن البيئي وأكبر مثال على ذلك هو التغير الذي حدث خلال العصور الجيولوجية وما تبعه من اختفاء للعديد من النباتات والحيوانات السائدة في تلك العصور وظهور غيرها في الوقت الراهن. ففي كل مرة تتغير فيها الظروف الطبيعية يختل التوازن البيئي، ثم بعد فترة تطول أو تقصر يحدث توازن جديد في إطار الظروف الجديدة له.
وعندما تصاب مناطق معينة بالجفاف مثلاً فإن توازن بيئاتها يختل نتيجة للدمار الذي يلحق بالكساء النباتي الذي يغطي هذه المساحات وما يتبع ذلك من آثار ضارة على حيوانات البيئة ومكوناتها بشكل عام.
2.     إدخال كائن حي في بيئة جديدة  
إن إدخال كائن حي جديد في بيئة تتوفر فيها ظروف نموه وتكاثره وتقل أعداؤه الطبيعية، يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي. وكثيراً من الآفات الزراعية غير المتوطنة أصلاً في بعض البلدان نقلت من غير قصد من موطنها الأصلي. وينتج عن هذا النقل أن تتكاثر الآفات في الموطن الجديد حتى تصل إلى مستوى ضار وذلك نتيجة غياب الأعداء الحيوية التي كانت تحد من تكاثر أعدادها في الموطن الأصلي أو نتيجة لعدم وجود مقاومة بيئية ولوجود ظروف ملائمة في الموطن الجديد.
3.     القضاء على بعض أحـياء البيئة 
لوحظ من خلال الأبحاث العلمية والدراسات الميدانية أن القضاء التام على بعض الكائنات الحية في البيئة يسبب اختلالاً لتوازن النظام البيئي فيها، فقد تكون هذه الكائنات صاحبة دور رئيس في بعض التفاعلات البيئية التي تتناول الأجسام غير الحية، وقد تكون حلقات في سلاسل غذائية. وخير مثال على ذلك ما حصل بعد أن اشتكى فلاحو إحدى الولايات الأمريكية من فتك الصقور والبوم بصغار أفراخهم، فاستجابت الحكومة لهذه الشكوى فشجعت صيد البوم والصقور نظير مكافأة مالية، فتم التخلص من 125 ألف طائر في 18 شهراً، وأحدث ذلك اختلالاً في توازن البيئة في تلك الولاية إذ انتشرت الفئران انتشاراً كبيراً بعد غياب هذه الطيور التي تعتبر عدواً طبيعياً لها حيث كانت تتغذى عليها، وتبع انتشار الفئران فتكها بالنبات والمحاصيل، وهكذا كانت الخسائر أكثر جسامة، فأعادت الحكومة تحريم صيد الصقور والبوم حفاظاً على توازن البيئة وتقليلاً للضرر.
وعندما استخدمت المبيدات الحشرية، أدى ذلك إلى قتل كائنات حية تعتبر أعداءً طبيعية لبعض الحشرات التي انتشرت ومثلت آفة ذات ضرر كبير على المحاصيل وغير ذلك. ونشير في هذا المجال إلى رأي أحد أخصائي الطيور، فهو يرى أنه لو انعدمت الطيور من البيئة لأصبحت حياة البشر في هذه البيئة متعذرة بعد فترة قصيرة لا تزيد على عشر سنوات من اختفاء الطيور، فالطيور تتغذى على أعداد هائلة من الحشرات الضارة التي تهلك النبات.
4.      تدخل الإنسـان المباشــر
يؤدي تدخل الإنسان في البيئة إلى الإخلال بتوازنها ، فتجفيف البحيرات واقتلاع الغابات وردم البرك والمستنقعات كل هذا يؤدي إلى إخلال بالتوازن البيئي الذي يستمر أثره إلى أن تستعيد البيئة اتزانها مرة أخرى في ضوء الظروف الجديدة. إن تدخل الإنسان المباشر في البيئة يعتبر السبب الرئيس في اختلال التوازن البيئي، فتغير المعالم الطبيعية للبيئة من تجفيف للبحيرات، وبناء السدود، واقتلاع الغابات، وردم المستنقعات، واستخراج المعادن ومصادر الاحتراق، وفضلات الإنسان السائلة والصلبة والغازية، هذا بالإضافة إلى استخدام المبيدات والأسمدة كلها تؤدي إلى إخلال بالتوازن البيئي(Cherrill, et al.,.1995) ، حيث إن هناك الكثير من الأوساط البيئية  تهددها أخطار جسيمة جراء نشاط الإنسان في بيئته المحيطة تنذر بتدمير الحياة بأشكالها المختلفة على سطح الأرض،  لذا نجد أن الغلاف الجوي وما يحويه من غازات - خصوصاً في أجواء المدن والمناطق الصناعية - تتعرض إلى تلوث شديد، ويلاحظ فيها تشكل السحب السوداء والصفراء السامة التي كانت السبب الرئيس في تدمير وموت وهلاك العديد من الكائنات الحية المنتشرة في البيئة.
إلى جانب ما تتعرض إليه المسطحات المائية من تلوث من خلال  استنزاف الثروات المعدنية والغذائية، هذا بالإضافة إلى إلقاء الفضلات الصناعية والمخلفات ومياه المجاري ودفن النفايات الخطرة.  وفي المقابل لم تسلم البيئة في اليابسة من تأثير الإنسان عليها، فإلقاء النفايات ومياه المجاري واقتلاع الغابات وتدمير الجبال وفتح الشوارع وازدياد أعداد وسائل النقل والمحركات وغيرها الكثير، أدى إلى تدهور في خصوبة التربة وانتشار الأمراض والأوبئة بين بني البشر جراء الإسراف في التعامل مع البيئة ومكوناتها وعدم الاكتراث بما يؤول إليه النشاط اللامسؤول من قبل الإنسان في البيئة المحيطة.
ومن المؤسف حقاً أن الإنسان أصبح ضحية للتقدم التكنولوجي والعلمي الذي أضر بالبيئة الطبيعية وجعلها في كثير من الأحيان غير ملائمة لحياة الإنسان وذلك بسبب تجاهله للقوانين الطبيعية المنظمة للحياة. في حين أنه كان من المفترض أن يستفيد الجنس البشري من هذا التقدم العلمي الهائل لتحسين نوعية حياته والمحافظة على بيئته الطبيعية، لذا فإن المحافظة على البيئة وسلامة النظم البيئية وتوازنها أصبح اليوم يشكل الشغل الشاغل للإنسان المعاصر الواعي المدرك لأهمية مساهمته الإيجابية في البيئة، وذلك من أجل المحافظة على سلامة الإنسان في الحاضر ومستقبل الأجيال القادمة ليعيشوا في بيئة صحية سليمة خالية من الملوثات والكوارث البيئية.
حذر تقرير أمريكي حديث (شوال 1427هـ الموافق أكتوبر 2006م) من إمكانية تعرض العالم خلال القرن الحالي لمشاكل بيئية مفاجئة حيث وجد أن حرارة القطب الجنوبي ارتفعت بأكثر من درجتين منذ ستين عاما. وقال كريس برايت، وهو أحد العلماء الأمريكيين الذين أعدوا هذا التقرير في معهد مراقبة العالم-وورلد ووتش World watch institute- بواشنطن: في غالب الأحيان ينظر إلى التدهور البيئي على أنه يتم بشكل تدريجي وخاضع للتوقعات، لكن إذا استمر هذا النمط من تفكيرنا، فإننا سنكون كمن يعيش على أحلام الماضي. وأوضح برايت أن الضغوط التي تتعرض لها الطبيعة تعجل بوقوع تغيرات لا يمكن تصورها مشيراً في هذا الصدد إلى إعصار ميتش الذي أسفر عن مقتل عشرة آلاف شخص في أمريكا الوسطى منذ ثلاث سنوات، وأتلف خمسة وتسعين في المائة من المحاصيل الزراعية في الهندوراس. وقال: إنه يمكن تفسير قوة ميتش بارتفاع درجات حرارة الأرض، لكن مما ساعد على تيسير الدمار الذي خلفه الإعصار، اندثار الغابات من قبل.
وحذر التقرير من أن يؤدي إهمال معالجة مشكلتي زيادة أعداد السكان والتغيرات المناخية إلى انهيار النظام البيئي، حيث لن يبقى ما يمكن إنقاذه. ومن بين الحلول التي اقترحها لتخطي اعتماد التخطيط العائلي وتعليم النساء من جهة، وتعويض المحروقات بالطاقة المولدة من الرياح أو الشمس أو طاقات متجددة أخرى.
ومن الأرقام المقلقة التي أوردها التقرير أن مخاطر الانقراض تهدد أحد عشر في المائة من أنواع الطيور، وخمسة وعشرين في المائة من الثدييات، وأربعة وثلاثين في المائة من الأسماك. وأن انجراف التربة أجبر جمهورية كازاخستان على التخلي منذ عام 1980م عن زراعة نصف أراضيها التي كانت خصبة في السابق. فضلاً عن ارتفاع درجة حرارة القطب الجنوبي أكثر من درجتين منذ سنة 1940م.
وخلاصة القول أنه يجب على الإنسان أن يتعامل مع بيئته بحرص وعناية حتى يبقيها صحية خالية من الملوثات يسود فيها الغطاء النباتي ويتحقق فيها التوازن البيئي المنشود لسلامة المكان واستقراره والعمل على زيادة الرقعة الخضراء قدر الإمكان.
مختارات توعوية (أهمية الماء في الحياة جزء من محاضرة ـ الماء سر الحياة ـ للشيخ صالح بن حميد)
الماء وسيلة لحسن الثواب ووسيلة للعذاب 
 
يقول الله سبحانه وتعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:32-34].
جعل الله  الماء وسيلة لحسن الثواب في الدنيا، حيث يقول تعالى: وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً [الجن:16] كما إنه وسيلة عقاب على المذنبين المكذبين: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:11-12].
وفي الآية الأخرى يقول الله: فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40].
بل إنه من أعظم أنواع النعيم في الجنة للمتقين كما يقول المولى جل في علاه: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد:15].. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [الواقعة:30-31].
كما أنه في صور أخرى وسيلة لعذاب أهل النار عياذاً بالله من النار: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29] وكما قال الله: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15].
أيها المسلمون: إن السعي في حصر خصائصه ووظائفه ومنافعه وفوائده تعجز الحاصرين، فلا شراب إلا بماء، ولا طعام إلا بالماء، ولا دواء إلا بالماء ولا نظافة إلا بالماء، ثم لا زراعة إلا بالماء، بل ولا صناعة إلا بالماء.
لم تنقص قيمته لا بتقدم الإنسانية ولا بتخلفها، بل لقد زادت أهميته ثم زادت، حتى صاروا يتحدثون عن الأمن المائي والصراع على موارد المياه ومصادرها ومنابعها.
الماء هو عماد اقتصاد الدول، ومصدر رخائها بإذن الله، بتوافره تتقدم وتزدهر، وبنضوبه وغوره وشح موارده تحل الكوارث والنكبات: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [الملك:30].. وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18].
التحذير من الإسراف في الماء

إن الإنسان المعاصر قد وصل استهلاكه للماء إلى أرقام من الإسراف مخيفة، وبخاصة ما يصرف في الاستحمام والمراحيض والسباحة، وسقي الحدائق وأمثالها، فأما المستعمل في الشرب والطهي فلا يتجاوز نسبة (2%).
إن توفير المياه وحماية مصادرها ورعاية محطات تنقيتها أهداف سامية لكل دولة، فالمساس بها والعبث بها، وإهمالها يشكل خطراً على أمنها وحياة رعاياها.
الله سبحانه يصرف الماء بين الناس ليذكّروا، ولكن الأخذ بالأسباب، والسلوك على نهج محمد صلى الله عليه وسلم في التوسط والقصد والبعد عن الإسراف هو المنهج الحق، لا فضل للأمة في أن تبدد خيراتها بيديها، ولكن الفضل كل الفضل أن تكون قوية مسيطرة على أمورها، متحكمة في نظمها، حازمة في تدبير شئونها.
إن الأمة تملك عزها، وتحفظ مجدها، بالحفاظ على ثرواتها ومواردها، والتحكم بما في يديها.
إن الأمة إذا وقعت في عسر بعد يسر، تجرعت مرارة الهوان المصحوبة بحسرات الندم، فالإسراف يفضي إلى الفاقة، وبالإسراف تهدر الثروات، وتقوض البيوتات، وفي عواقبه البؤس والإملاق، يقول الله: وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [الشعراء:151-152].
المسرف همته الوصول إلى متعته ولذته، ولا يبالي بمصيره ولا بمصير أمته، كما حكى القرآن عنهم: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16].

الهدي النبوي في استعمال الماء
يعتبر الماء مورد عظيم، بل إنه من أكبر الموارد التي تحتاج إليها كل أمة في كثير من ميادين حياتها ومعاشها، ولقد ورد في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم الحث على المحافظة عليه، والاقتصاد في استعماله، وتجنب الإسراف في استخدامه واستهلاكه في وجوه الاستخدامات كافة، شرباً وطهياً، واغتسالاً وغسلاً، وغير ذلك.
وتأملوا في سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: {فقد كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد } رواه أحمد ومسلم وغيرهما.
وفي رواية الصحيحين : {كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد } بل جاء عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنه: {أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك }.
وفي رواية عند أبي داود من حديث أم عمار : {أنه عليه الصلاة والسلام توضأ بماء في إناء قدر ثلثي مد }.
ولقد شدد أهل العلم رحمهم الله في المنع من الإسراف بالماء ولو كان على شاطئ النهر أو البحر.
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: [اقتصد في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر].
وقال محارب بن دثار : [[كان يقال: من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور ]].
وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: {يـابن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال: مد، قال: كم يكفيني لغسلي؟ قال: صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا أم لك! قد كفى من هو خير منك، رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه أحمد والبزار والطبراني بسند رجاله ثقات.
لذا لا بد من الحزم في هذا الشأن من قبل الدولة والمواطنين والمقيمين على حد سواء، فالله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين، والمبذرون هم إخوان الشياطين، وإن عدم الشعور بالمسئولية، ونزعة الاتكالية، وإلقاء التبعة على الآخرين، مصيبة قاتلة، وسبيل لانهيار المجتمع، وضياع لحقوقه ومرافقه، فإذا تنصل المرء من مسئوليته، وتفلت من التزاماته؛ أصبح عضواً فاسداً وكلاً على مجتمعه، وعبئاً على أمته، ولو تعلل كل مؤمن بتقصير غيره؛ لما بقي في الدنيا حوافز للخير؛ لأن وجود الإهمال في بعض الأفراد أمر لا بد من وقوعه بصورة ما، في كل زمان ومكان، والعقلاء والجادون يتخذون من وقوع الأخطاء عند الآخرين مواطن عظة واعتبار، فيحاولون ما استطاعوا إصلاح الخطأ، وتغيير المنكر، والتعاون على البر والتقوى.
إن من الخطأ المدمر، والهلاك الحتمي: أن يتهاون بعض الناس فيقول: هذا من مسئولية فلان، وتلك من مسئولية الجهة الفلانية، والحق قوله صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته }.
أيها المسلمون: وما يتحدث به بعض المهتمين من ذوي الشأن في أنحاء كثيرة من العالم من ظهور نقص في المياه، وتخوف من الشح في مصادرها، أمر ينبغي أن يؤخذ مأخذ الجد، وإن كان اعتماد المسلم على ربه سبحانه، فيضرع إليه ويلجأ إلى رحمته، فيستقيم على الطريقة، فيسقيه ماء غدقاً، ويتأخر الغيث عن موعده، فيتوجه المسلمون إلى ربهم دعاءً وصلاةً واستسقاءً.
ومع كل ذلك لا بد أن يُؤخذ بالأسباب، فحسن الاستعمال، والاقتصاد في الاستهلاك، مسلك إسلامي رشيد، وما يتحدث عنه هؤلاء من مؤشرات نذر، وما يتحدثون عنه من الأمن المائي، وحروب المياه، ومعارك التعطيش، فإن الذي يجب أن يعلم، أن قضايا المياه قضايا إنسانية، وضرورات حياتية، يجب أن ينأى بها عن دائرة الصراعات والحروب، والابتزاز والمتاجرات والمزايدات.