تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. عبدالله بن غرم الشهري

Assistant Professor

وكيل كلية علوم الرياضة والنشاط البدني للشؤون التعليمية والأكاديمية و أستاذ علم الاجتماع الرياضي المساعدبقسم الميكانيكا الحيوية والسلوك الحركي ورئيس وحدة الأنشطة الطلابية وعضو المسئولية المجتمعية ورئيس العلاقات العامة والإعلام وعضو مركز البحوث بالكلية

كلية علوم الرياضة والنشاط البدني
F043
مدونة

«رؤية 2030» تعيد صياغة الرياضة السعودية/ تفعيل الممارسة المجتمعية ومشاركة القطاع الخاص سيقفزان بها إلى مصاف الدول العالمية

حظيت الرياضة بتركيز كبير في «رؤية السعودية 2030»، إذ شددت على ضرورة رفع معدل ممارستها في المجتمع لتصل إلى مليون رياضي سعودي ممارس بنسبة 40 في المائة، خلال الخمسة عشر عاما المقبلة بدلا من 13 في المائة حاليا، وتذهب هذه الأرقام إلى أهمية وعي المجتمع السعودي بالرياضة، وربطها بالصحة، وذلك من خلال توفير البيئة المناسبة، ليكون سلوكا راسخا بين جميع المواطنين في مجتمعهم الكبير.

وتنص الرؤية على «أن النمط الصحّي والمتوازن يعد من أهم مقوّمات جودة الحياة. غير أن الفرص المتاحة حاليًا لممارسة النشاط الرياضي بانتظام لا ترتقي إلى تطلعاتنا. ولذلك سنقيم مزيدا من المرافق والمنشآت الرياضية بالشراكة مع القطاع الخاص، وسيكون بمقدور الجميع ممارسة رياضاتهم المفضلة في بيئة مثالية. كما سنشجع الرياضات بأنواعها من أجل تحقيق تميزٍ رياضي على الصعيدين المحلّي والعالمي، والوصول إلى مراتب عالمية متقدمة في عدد منها».

ولم يفت على الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، خلال المؤتمر الصحافي أمس، تأكيداته أن هناك إعادة هيكلة للقطاع الرياضي شأنه شأن جميع القطاعات، وأنه سيتم تخصيص برامج ومبادرات واضحة لاستهداف الأنشطة الرياضية السعودية ومن بينها كرة القدم.

حيث شدد على أن «رؤية السعودية 2030» تتطلب أن تكون هناك سوقا واعدة في كرة القدم السعودية توفر مداخيل إضافية وأرباحا للأندية الرياضية السعودية. وبحسب «رؤية السعودية 2030» فإن اللجنة الأولمبية السعودية، ومعها في ذلك رعاية الشباب، ذهبتا إلى كثير من المسارات للنهوض بالرياضة السعودية، وإعادة صياغتها لتتواءم مع الرؤية الجديدة، حيث فصل المنافسة الرياضية عن الممارسة المجتمعية التي أظهرت الأرقام الرسمية تدنيها في السنوات الماضية برقم لا يتجاوز 13 في المائة، قياسا بدول أخرى تشابه الظروف السعودية.

ويشدد الأمير عبد الله بن مساعد، في حديثه عن «رؤية السعودية 2030»، أمس، على أن المرتكزات التي قامت عليها الرؤية تمثل أهمية بالغة في مواكبة متغيرات المرحلة ومتطلبات المستقبل، رافعا في ذات الوقت التهاني إلى القيادة الرشيدة على إطلاق هذه الرؤية، ومشيدا بمضامينها، وما حملته من نظره مستقبلية ستكون واقعا مع حلول عام 2030.

وتنسجم الرؤية مع ما خططت إليه اللجنة الأولمبية السعودية لأن يكون الرياضي السعودي المنافس ضمن أفضل 3 منافسين على مستوى آسيا في عام 2022 من خلال رؤية برنامج «ذهب 2022» الذي أطلقته قبل 3 أشهر بحضور أكثر من 29 اتحادا رياضيا سعوديا.

وشكلت الرئاسة العامة لرعاية الشباب فريقا متخصصا لإعادة هيكلة الأندية السعودية، على أن تحدد خلال العام المقبل بين الأندية المنافسة في الاستحقاقات، والأندية التي يفترض أن تكون ضمن المنافسة المجتمعية التي يستفيد منها المواطنون في البلاد وتفعيل دورها كلٌّ في منطقته.

وسيكون برنامج «داعم» أحد البرامج الشبابية الأساسية ذات الدور البارز، بحسب «رؤية السعودية 2030» لزيادة الأنشطة الرياضية والاجتماعية والترفيهية، وتنويعها للإسهام في استثمار مواهب المواطنين، وسيتم تطوير الأنظمة واللوائح، بما يساعد على التوسع في إنشاء أندية الهواة والأندية الاجتماعية والثقافية وتسجيلها رسميًا: «وسنطلق البرنامج الوطني (داعم) الذي سيعمل على تحسين جودة الأنشطة الرياضية والثقافية، ويوفر الدعم المالي اللازم لها، وينشئ شبكات وطنية تضم جميع الأندية، ويساعد في نقل الخبرات وأفضل الممارسات الدولية لهذه الأندية وزيادة الوعي بأهميتها».

وبحلول عام (1442هـ - 2020م)، سيكون هناك - بإذن الله - أكثر من 450 نادي هواة مسجلا يقدم أنشطة ثقافية متنوعة وفعاليات ترفيهية، وفق منهجية منظّمة وعمل احترافي.

وسيكون تحويل القطاع الرياضي في السعودية إلى رافد اقتصادي بمثابة قفزة هائلة وإيجابية لمصلحة هذا القطاع في البلاد، كونه سينقله إلى عالم مغاير عن الواقع الحالي، خصوصا أنه يتوافق مع مشروع «التحول الوطني».

ويرى الدكتور حافظ المدلج، الذي شغل مناصب عدة في التسويق والاستثمار الرياضي سعوديا وآسيويا، أن مقومات تخصيص أندية دوري المحترفين السعودي وفصل الألعاب المختلفة لتقوم بها مراكز رياضية متخصصة، تبدو مهمة في المرحلة الحالية، مع أهمية أن تكون هناك منشآت رياضية خاصة بهذه الأندية، وكذلك المراكز التي ستعنى بالألعاب الأخرى.

وأضاف المدلج، في حديثه عن كيفية إنجاح الخصخصة في الأندية السعودية في مجال كرة القدم: «يجب أن يكون القرار الاستثماري في الأندية غير عاطفي، بمعنى أن المستثمر يتعامل مع مشروع الخصخصة باعتباره مشروعا استثماريا وليس ميولا وتشجيعا، ويجب أن تخرج الأندية من عباءة أعضاء الشرف والأشخاص المشجعين إلى عباءة المستثمرين (الملاك) الذين ينظرون إلى الفائدة الاقتصادية أكثر من النظرة العاطفية والميول، حتى يكون على الأقل القرار الاستثماري مبنيا على أرقام وحقائق وجدوى اقتصادية وليست عواطف».

وأضاف المدلج في هذا الجانب: «خصخصة الأندية يجب أن نقول عنها إنها مشروع وطني، ومرتبطة ببرنامج التحول الوطني الكبير، ولذلك تجب مشاركة الناس كلهم ولا تكون المعلومة حصرا على فئة معينة، اليوم لو سألت أحدا في المجتمع ماذا تعني خصخصة الرياضة، فأعتقد أن كثيرا لن يقدم إجابة وافية، ربما تجد من يقول إنها تحويل الملكية من القطاع العام إلى الخاص، وهذا تعريف بشكل عام، لكن تفاصيل التفاصيل لا يعرفها إلا نخبة، لذلك أنا أقول يجب عمل برنامج توعوي كبير قبل أن نضغط الزر الذي من خلاله تتحول الأندية من وضعها الحالي إلى نظام الخصخصة.

وعن المدة الزمنية المتوقع أن نحتاجها حتى نملك أرضية خصبة للخصخصة، قال المدلج: «هذا يعتمد على القائمين على المشروع، أنا أرى أن العنصر الأساسي للخصخصة هو ملعب النادي، وإذا هذه الأندية لا تملك ملاعب فسيكون المشروع ناقصًا»، مضيفا: «اعتماد الأندية على ملاعب الرئاسة العامة عن طريق الاستئجار يعني أننا نقدم خصخصة عرجاء وتسير على عكاز ليس لها». من ناحيته، أشار راشد الفوزان، الناقد الاقتصادي والمهتم بشؤون الاستثمار الرياضي، إلى أن الخصخصة يجب أن تكون للرياضة بشكل كامل وليس للأندية، وأقصد الملاعب والمنشآت والاتحادات خصوصا بعد قرار مجلس الوزراء باستقلالية الاتحادات، وهذا أعتقد أنه سيعطي مؤشرا لنوع من الاستقلالية الإدارية والمادية، ولا يعني أن أستقل عنك إداريا أن أكون مسؤولا عنك ماليا، وأعتقد أن هذا القرار الصحيح بفصل استقلالية الاتحادات حتى ماليا.

وفيما يخص خصخصة كرة القدم السعودية، أوضح الفوزان: «أرى أن التخصيص يجب أن يشمل كل شيء حتى اتحاد الكرة نفسه، والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي بالمناسبة أنا ضد تحولها إلى وزارة لسبب أنها تخصص، وبالتالي لا تكون عبئا على الدولة إلا في أنشطة ومجالات محدودة للشباب الصغار وغيره».

وأضاف الفوزان في هذا الجانب: «من الممكن أن نبني ملاعب عن طريق تمويل القطاع الخاص، ويمكن أن تخصص الأندية وتكون ملكيتها لرجال الأعمال، حتى الملاعب تكون إدارتها عن طريق شركات خاصة، وهناك تجارب ناجحة في العالم، ولدينا أيضا، فنحن نشاهد شركة (صلة) الرياضية التي نجحت في رعاية بعض الأندية، وضخت أموالا ضخمة، لكن المشكلة الدائمة في عملية كفاءة الإنفاق».

من جهته، أكد خالد الربيعان، مدير التسويق في مصرف «إنماء» والمهتم في قضايا التسويق والاقتصاد الرياضي السعودي والدولي، أن رؤيته للخصخصة الرياضية مختلفة تماما عما يطرح طوال الفترة الماضية، مبينا أن أهم أمر لنجاح الخصخصة هو توافر النية الواضحة للإصلاح عند جميع الأطراف.

وشدد على أن الأندية هي ملك للدولة والمجتمع، والقائمون على مشروع الخصخصة في أي بلد من الممكن أن يسنوا قوانين لبيع الأندية بالكامل مثلاً ويفقدونها هويتها وانتماءها ويخرجونها عن سيطرة الدولة والمجتمع، لتكون تحت رحمة المال أيًا كان جنسه! وهناك من يقومون بذلك وفي أعينهم مصلحة الدولة العليا ويحركهم الانتماء، فيُنجِحُون ما يعملون فيه، ويعممون الخير لجميع أطراف العملية الرياضية.

وطرح الربيعان أمثلة على ذلك، حيث قال: «هناك خصخصة تفقد الدولة والمجتمع سيطرتها على ممتلكاتها وتراثها، وهناك مستثمرون يشترون الأندية بكامل أسهمها مثلما رأينا في مانشستر سيتي الإنجليزي وملبورن الأسترالي، الملكية كاملة هنا للمستثمر، وقتها يصبح هذا التراث تحت رحمة المشتري، إن شاء ساهم في نجاحه وشهرته كما في السيتي، وإن شاء خسف به أرض الاستثمار الرياضي مثلما نرى في «إي سي ميلان» الآن مع برلسكوني، وفي غريمه إنتر ميلان على يد توهير الإندونيسي!

وفي دول مثل ألمانيا سنت الحكومة قانونا يتيح الاستثمار كما شئت، لكن لا تقترب من إدارة النادي والسيطرة على كتلته التصويتية، مثلما نرى في بايرن ميونيخ الذي تمتلك فيه الشركة الأم 75 في المائة من أسهمه، والباقي موزع على ثلاثة مستثمرين هم «أديداس» و«أودي»، و«إليانز».

وتابع: «إذن رقم واحد لإنجاح الخصخصة السعودية هو مراعاة مصلحة الدولة العليا ومعاني الانتماء والوطنية قبل كل شيء، وهو شيء أثق تمامًا بأنه متوفر وموجود».

وشدد على أن متطلبات إنجاح الخصخصة كثيرة، ولو تكلمنا عنها باستفاضة لن ننتهي، لأن هناك مراكز كاملة في الخارج لا هدف لها سوى البحث في أسس التسويق الرياضي والاستثمار وإنجاح استراتيجيات عمليات الخصخصة، لكن يمكنني أن أجملها بإيمان الدولة والحكومة وثقتها بالمستثمر، وتشجيع الكفاءات الموجودة في القطاع الخاص بالمملكة وخارجها وضرورة أن تكون هناك رؤية إدارية وقانونية تتمثل في أرضية صلبة ملزمة لجميع الأطراف، وتواكب متغيرات المرحلة الحالية وتحدياتها، على أن تكون مرنة في كل مراحلها، وتكفل حقوق الدولة والأندية والمستثمر والملكية وتؤطر للعلاقة والتعامل في الجانب التسويقي والاستثماري والمالي والإداري.

 

جريدة الشرق الأوسط، الأربعاء - 19 رجب 1437 هـ - 27 أبريل 2016 مـ رقم العدد [13665].