تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

أ. د. راشد بن حسين العبد الكريم

Professor

قسم المناهج وطرق التدريس

التعليم
0000
مدونة

كيف تكون أستاذا جامعيا فاعلا؟

كيف تكون أستاذا جامعيا فاعلا
نشرت في مجلة (أفاق تربوية)
http://gesten.ksu.edu.sa/sites/gesten.ksu.edu.sa/files/imce_images/49d.pdf
 
لم يعد التدريس الجامعي عملا تقليديا رتيبا يعتمد على نقل المعلومات للطلاب، أو توجيههم لها في الكتب والمراجع العتيقة فقط، بل صار مجموعة من العمليات التي تتطلب إعدادا مستمرا ومهارات تحتاج إلى اكتساب أو تنمية. فقد أنتهى، أو كاد، الزمان الذي يجلس فيه الأستاذ ويفتح كتابة أو دفتر ملاحظاته أو ملف مقرره ليحاضر منه على الطلاب، ليكون الطلاب فقط بتسجيل الملاحظات، اعتمادا على القدرة العلمية الأكاديمية للأستاذ. صار التدريس في التعليم العالي يحتاج إلى تعلم واكتساب مهارات، ويحتاج إلى إعداد وإلى تطوير مهني وعلمي وذاتي. وفي هذا المقال سوف أذكر ست نقاط أساسية للتدريس الجامعي الفعال.
1. فهم الذات والطالب وبيئة التعلم
لكي يستطيع الأستاذ أن يدرّس تدريسا فاعلا لا بد أن يفهم ذاته والطلاب وبيئة التعلم. فهم الذات يكون بمعرفة جوانب القوة وجوانب الضعف فيها، وبمعرفة أساليب التعليم التي يفضلها الأستاذ، وأيضا تكون بمعرفة فلسفة التدريس التي يتبناها الأستاذ. فكل منا له جوانب قوة يتميز فيها أو يمكن أن يتميز فيها، فيجب أن يستثمرها، كما أن لكل منها جوانب ضعف يجب أن يعلمها لكي ينميها، أو يكون واعيا بها لكي لا تؤثر سلبا على أدائه. كذلك يجب أن يلم المعلم بأساليب التدريس التي يمارسها عادة، ويتفحص أسسها النظرية في عملية تأملية ليرى مدى توافقها مع الأهداف التي يسعى لتحقيها في تدريسه. كذلك يجب أن يكون الأستاذ الجامعي تصورا عن فلسفته التدريسية، بحيث يستحضر نظريته في التعلم وطبيعته، ودوره بوصفه أستاذا، والدور الذي يجب أن يقوم به الطالب في عملية التعلم وطبيعة العلاقة بينه وبين الطلاب. فرؤية الأستاذ للمتعلم والعوامل المؤثرة في التعلم عامل أساس في بناء الأستاذ لعمليات التدريس وتنظيمها. وهذا يتطلب أن يفهم الطلاب من حيث تنوع أساليبهم في التعلم ومن حيث المرحلة النمائية التي يمرون بها وخصائصها، وما الذي يحفزهم للتعلم. كذلك يتطلب أن يلمّ الأستاذ بخصائص ومكونات بيئة التعلم.
2. وضع أهداف جيدة
وضع الأهداف الجيدة عامل أساس في التدريس الفاعل. فما لم يحدد الأستاذ بدقة ما الذي يريد تحقيقه عندما يلتقي بطلابه فإنه – ببساطة - لا يمكن أن يحققه، فما لا نتصوره يصعب علينا تحقيقه وربما يكون محالا. ولذلك لم يكن غريبا أن يجعل ستيفن كوفي، صاحب المفيد (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) هذه الصفة هي العادة الثانية. والهدف الجيد هو ما تريد من الطلاب أن يحققوه بنهاية المحاضرة، أو المقرر، وليس ما تريد أن تفعله أنت. كما أنه لكي يحقق الهدف الغرض المرجو منه ويكون مساعدا على النجاح لا بد أن يكون واضحا ودقيقا وقابلا للقياس بشكل من الأشكال. المهم ألا يبدأ الأستاذ وهدفه فقط (أن يدرس المقرر) أو أن (يلقي محاضرة عن ...).
3. اختيار محتوى مناسب
اختيار المحتوى العلمي المناسب هو الخطوة الثالثة للتدريس الجيد، فتحديد الأهداف يساعد كثيرا في "نحت" محتوى علمي يتطابق مع تلك الأهداف، ويؤدي لها. فكل محتوى لا يرتبط ارتباطا مباشرا بالأهداف ويقود إلى تحقيقها بشكل من الأشكال فهو حشو يجب التخلص منه. وهذا قد يصعب على بعض الأساتذة، إما لأنه تقليديا ارتبط هذا المحتوى بالمقرر، أو لأن الأستاذ قد تعود على تدريسه. لكن مراجعة المحتوى والتأكد من مواكبته للأهداف من الخطوات المهمة في التدريس الناجح، خاصة مع التضخم المتزايد في المعلومات والمحتوى العلمي. فالحشو في المحتوى يضيع الوقت والجهد ويشتت ذهن الطالب والأستاذ، في وقت يشتكي فيه الجميع من قلة الوقت في التدريس.
4. بناء خبرات تعلم جاذبة
بناء خبرات التعلم الجاذبة هي الخطوة الرابعة المهمة في التدريس الجامعي، لكنها في الواقع هي الخطوة التي تحدث الفارق الكبير. فسر التدريس الناجح، وسر محبة الطلاب لبعض المقررات هي الخبرات التعلمية الجاذبة التي تتوفر فيه. وأعني بخبرات التعلم (أنشطة التعلم) أو (المواقف التعلمية)، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مثل المحاضرة، وطرح الأسئلة، وحلقة العصف الذهني، والعروض التقديمية من الطلاب، والقراءة، ونحو ذلك. ولكي تكون خبرات التعلم جاذبة ومفيدة يجب أن تكون متنوعة، ويجب أن تثير تساؤل الطلاب ونقاشهم وتتحدى قدراتهم وقناعاتهم، ويجب أن تشرك أكثر من حاسة (السمع والبصر) وتتنوع بين الفردية والجماعية، بحيث يجد فيها كل صاحب أسلوبِ تعلمٍ من الطلاب ما يناسبه، ولتطرد الرتابة والملل عن قاعة المحاضرة. كما يجب أن تتوافق مع وقت المحاضرة، وأن لا يشعر فيها أي متعلم بتهديد نفسي أو اجتماعي، فلا يشعر أنها تقلل من قيمته أو تنتقص من شخصه أو قدراته أو تتحيز ضده بأي شكل من الأشكال.
5. بناء بيئة تعلم دافعة
لئن كانت خبرات التعلم هي سر التدريس الناجح فالدافعية هي روحه. فالتدريس الناجح عملية حفز بالدرجة الأولى. فالأستاذ الذي يستطيع أن يحفز الطلاب على المشاركة في أنشطة التعلم هو الأستاذ الناجح. كل ما يقوم به الأستاذ من إعداد قد يذهب جفاءً إذا لم يستطع أن يحفز الطلاب على المشاركة. وتختلف أسباب امتناع الطلاب عن المشاركة والانخراط في التعلم، فقد تكون بسبب اساليبهم في التعلم، أو بسبب عدم إدراكهم لأهمية المشاركة، أو بسبب عدم التحضير والقراءة، أو بسبب الخوف من النقد، أو بسبب عدم معرفتهم للمعنى الكامن خلف الموضوع المطروح أو علاقته بواقعهم، أو غير ذلك، لكن لا بد للأستاذ من أن يكون مبدعا في حفزهم على التعلم وإغرائهم بهم، ومعالجة أسباب إحجامهم عن المشاركة. ولعله ليس من المبالغة القول بأن الأستاذ الجيد هو المحفز الجيد.
 
6. تقويم صادق
الأستاذ الناجح يجب أن يمتلك من أساليب التقويم ما يمكنه من الحكم على مدى تحقق أهدافه. من فوائد الأهداف أنها تفيد في عملية التقويم. ودون أساليب تقويم صادقة ومتنوعة لا يمكن أن يقرر الأستاذ بدقة وموضوعية هل كان تدريسه فاعلا أم لا. وقد حصل في السنوات الأخيرة تطورات كبيرة في مجال تقويم التحصيل، مثل التقويم البديل والتقويم الحقيقي والتقويم المستمر، وخرج منها نماذج وأساليب تهدف إلى تزويد الأستاذ بمعلومات موضوعية وشاملة عن أداء طلابه، بما يمكنه من اتخاذ قرارات تدريسية صائبة.
ومع عدم أساليب التقويم المناسبة لا يمكن للأستاذ أيضا أن يزود الطلاب بتغذية راجعة عن أدائهم، وهي – أي التغذية الراجعة - مما يحفز الطلاب على بذل المزيد وتكميل القصور إن وجد. فالتقويم الصادق يفيد للأستاذ في معرفة مدى نجاحه في تحقيق أهدافه، ويفيد في تطوير المقرر، ويفيد الطلاب في معرفة ما الذي أنجزوه وما الذي يحتاج إلى مزيد جهد.