تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

رشود بن محمد الخريف

Professor

المشرف على مركز الدراسات السكانية

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
46أ
المنشورات
2011

الشخصيات الوهمية: مرض أم افتراء؟!

 

د. رشود الخريف

احتلت مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر جزءاً كبيراً من اهتمامات كثير من الناس، بل جزءاً من حياتهم اليومية. يتواصلون يومياً عبر الفضاء الافتراضي مع أصدقائهم في الحي السكني القريب أو في أقصى أطراف الأرض. صداقات لا تقيدها الحدود السياسية أو اللغوية أو الطائفية. يخصص البعض لهؤلاء الأصدقاء وقتاً أكبر مما يخصصونه لأصدقائهم (التقليديين) خارج شبكة الإنترنت. وقد أحدثت هذه المواقع ونحوها "ثورة في العلاقات الإنسانية" وأسهمت في إحداث تغير اجتماعي كبير وأصبحت منابر إعلامية (أو إعلاماً شعبياً) لكل من يرغب في بث رسائل سواء كانت عبثية أو ترفيهية أو سياسية أو علمية وثقافية.

يُصنف المستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي إلى فئات كثيرة. هناك أشخاص حقيقيون، أي يظهرون بأسمائهم الحقيقية وصورهم المعروفة ويشيرون إلى طبيعة أعمالهم والمدينة التي يقطنون فيها، دون أدنى تحفظ، وهؤلاء هم القلة القليلة من مستخدمي هذه المواقع. إنهم من يستخدم هذه المواقع لدعم أعمالهم وزيادة فاعليتهم وتوصيل رسائلهم العلمية أو الفكرية أو الثقافية، وتوسيع دائرة معارفهم وشعبيتهم بين الناس، ومن هذه الفئة الفنانون والشعراء والإعلاميون والتربويون وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال. هؤلاء يتواصلون بمسؤولية ويضيفون فائدة لهذه المواقع من خلال الحوارات البناءة والمناقشات الجادة وتبادل الأفكار.

ولكن هناك أشخاص كثيرون يتقمصون شخصيات وهمية لها صلة بسيطة بواقعهم الحقيقي أو لا تمت له بصلة. يستخدمون صوراً مستعارة وأسماء مستعارة وسمات وهمية (مزيفة) لا تتصل بواقع حياتهم. ومن هؤلاء من يستخدم أسماء وهمية وصور وهمية (أو مسروقة لغيرهم)، ولكنهم يحتفظون بطبيعة العمل الذي يمارسونه ليحافظوا على بعض الشبه بشخصياتهم الحقيقية، خاصة الجنس (ذكراً أو أنثى). وأما الفئة الغريبة جداً، فهي تلك المجموعة من الناس الذين يتقمصون شخصيات وهمية بالكامل تنتمي إلى جنس غير جنسهم، وينتحلون صور أجمل النساء، إن كانوا يظهرون أنفسهم نساء، أو أكثر الرجال وسامة إن كانوا يتقمصون شخصيات رجالية.

وبالمناسبة لا يقتصر الأمر على الأشخاص، بل هناك شركات تستخدم شخصيات وهمية على صفحات الإنترنت للترويج لبعض الخدمات والسلع، وأكثر من ذلك تتبنى أجهزة الاستخبارات في بعض الدول شخصيات وهمية افتراضية للتأثير في الرأي العام تجاه قضايا معينة أو معرفة اتجاهات الرأي العام حول قضايا أو قادة دول معينة أو جمع معلومات عن أشخاص أو مجموعات، خاصة أن الفيسبوك يوفر معلومات عن المكان الذي يدخل منه المستخدم على شبكة الإنترنت، بمعنى أن انتقال الشخص من بلد إلى آخر يكون معروفاً. لذلك استطاعت الأجهزة الاستخباراتية توفير مبالغ كبيرة مقابل معلومات كثيرة عن أشخاص أو موضوعات معينة تحصل عليها بسهولة ويسر!

ولا يعنينا هذا الأمر بقدر ما يهمنا معرفة الإجابة عن التساؤلات الكثيرة مثل: لماذا يلجأ كثير من الأشخاص (ذكوراً وإناثاً) إلى تقمص شخصيات وهمية؟ وهل هذه الظاهرة موجودة في الدول الأخرى غير العربية أم هي ظاهرة عربية؟ هناك أسباب كثيرة ومتنوعة، بعضها مقنع ومنطقي وبعضها الآخر يدخل ضمن ما يُعرف بالتدليس والخداع. العادات والتقاليد في بعض المجتمعات وخاصة في البلدان العربية لا تستحسن إظهار صورة المرأة أو التعريف باسمها الحقيقي. كذلك فإن إظهار الاسم الحقيقي يحمّل الشخص مسؤولية أمام الجميع حول ما يقول أو يشارك به من أشعار أو أفكار، مما لا يتاح له (أو لها) طرح الأفكار والرؤى بحرية ودون مواربة. وهناك أشخاص يستخدمون أسماء وهمية لأسباب سياسية، أو خوفاً من الملاحقة من قبل الأنظمة القمعية. البعض يتقمص شخصية وهمية من أجل التسلية والتلاعب بمشاعر الآخرين. ولا يقل عن ذلك خطراً أو ضرراً من يحاول ابتزاز الآخرين أو الحصول على مبالغ أو هدايا، خاصة أولئك الرجال أو الشباب الذين يتقمصون شخصيات نسائية. وهناك قلة يستخدمون هذه الشخصيات الوهمية (المزيفة) من أجل إلحاق الضرر بالآخرين لأسباب كيدية أو النيل منهم لأسباب سياسة أو اجتماعية أو لمجرد الغيرة والحسد من منجزاتهم وما يحققون من مكانة في المجتمع.

إن ظاهرة تقمص شخصية وهمية (مزيفة) ليس أمراً جديداً، بل تجد شعراء وكتابا اختفوا وراء شخصيات وهمية لأسباب ذاتية منذ القدم. وأعتقد - كذلك - أن جميع الدول والثقافات لا تخلو من استخدام الشخصيات الوهمية، ولكن هذه الظاهرة تنتشر في الدول العربية أكثر من غيرها لأسباب ثقافية من جهة، ولكثرة النفاق الاجتماعي ووجود القمع من جهة أخرى.

ومع كل هذا التدليس والشخصيات الوهمية الافتراضية تنشأ علاقات جادة وراقية على صفحات الفيسبوك تسهم في تبادل الأفكار البناءة وتؤدي إلى فوائد إيجابية للطرفين وللمجتمع. فمن الناحية الاجتماعية مثلاً، يلاحظ تزايد أعداد الزيجات التي تحدث نتيجة التعارف من خلال هذه المواقع في الدول الغربية على وجه الخصوص، ولكن لا تخلو الدول العربية من زيجات من هذا النوع وبدرجة متزايدة في الآونة الأخيرة.

أخيراً أقترح دراسة ظاهرة الأسماء الوهمية (المزيفة) على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الباحثين والمراكز المتخصصة. ولا أدري لماذا لا تولي أقسام الدراسات الاجتماعية بالجامعات هذه القضية المهمة اهتمامها بالدراسة والبحث وتشجيع طلاب الدراسة العليا على دراستها والوقوف على سلبياتها وإيجابياتها وكذلك أبعادها التربوية والنفسية والاجتماعية والأمنية. وأدعو - في الختام - جميع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً والإنترنت عموماً إلى مخافة الله والتحلي بالأخلاق الحميدة الراقية وعدم الإضرار بالآخرين واستخدام هذه التقنيات فيما يفيد وينفع.

مزيد من المنشورات
publications

دراسة تُعنى بالتعرف على التحضر ومعدلات النمو في المدن السعودية وخصائص المنظومة الحضرية في المملكة العربية السعودية وذلك بناء على بيانات ثلاثة تعدادات سكانية

2007
تم النشر فى:
الجمعية الجغرافية الكويتية
publications

تهدف إلى التعرف على مستوى الخصوبة في المملكة، بالإضافة إلى الوقوف على أهم المتغيرات المرتبطة بالسلوك الإنجابي للمرأة السعودية والمؤثرة فيه، وذلك بالاعتماد على بيانات المسح الديموغرافي الشامل…

1423
publications

يُعنى الكتاب بإبراز التباين المكاني في معدلات الجريمة بأنواعها الرئيسة بين المدن السعودية وتحديد العوامل المؤثرة فيها إلى جانب التعرف على خصائص الجناة.

1998
تم النشر فى:
وزارة الداخلية