تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

الـدكـتـور عـمـر بـن عـبـدالـعـزيـز آل الـشـيـخ

Associate Professor

عضو هيئة تدريس

كلية الطب
كلية الطب
مدونة

فوائـد نشْـر المعلـومـات

تتطلب الاستجابة السريعة والفعالة للأمراض المعدية الناشئة أن يُتاح للباحثين الوصول السريع لأحدث البيانات الخاصة بمسبِّباتها. رغم ذلك.. لا يزال أمامنا طريق طويل، لضمان تحقيق ذلك.
Nature (2016) doi:10.1038/530129a  أبريل 2016 
كلما حَلَّت سنة جديدة، حَلَّ معها فيروس جديد. فلم تكد معدلات انتشار فيروس الإيبولا تتراجع، حتى هيمنت أنباء فيروس "زيكا" على جميع الأخبار، حيث ارتبط هذا الفيروس ـ الذي يتسبب عادة في ظهور أعراض خفيفة ـ بزيادة معدلات المواليد الذين يعانون من حالة صغر الرأس في البرازيل، وهي حالة يعاني المولود فيها من صغر غير طبيعي لحجم الرأس والمخ. وتتطلب معرفة المضاعفات المحتمَلة لهذا الفيروس على النساء الحوامل منهجًا يقوم على سرعة تبادل المعلومات، ويستند إلى الأدلة العلمية.
تتمثل الأولويات العاجلة لتحقيق ذلك في جمع البيانات الوبائية والإكلينيكية؛ لتحديد ما إذا كانت الزيادة الواضحة في الحالات حقيقية، أم لا؛ وإذا كان الأمر كذلك.. فإلى أيّ مدى يتحمل فيروس "زيكا" مسؤولية هذه الزيادة؟ إضافة إلى ذلك.. يجب أن يحصل الباحثون في جميع أنحاء العالم على فرصة الوصول الكامل إلى هذه المعلومات بمجرد إتاحتها، إلا أن النشر العلمي التقليدي ـ الذي يستند إلى جولات من مراجعة الأقران ـ يمكن أن يمثل آلية بطيئة للغاية في نشر النتائج البحثية أثناء حدوث إحدى الحالات الطارئة في مجال الصحة العامة؛ ومن ثم، فإن النشر العاجل للبيانات في قواعد البيانات العامة، ثم النشر اللاحق لتحليلات مراجعة الأقران بعد ذلك، يمثل أحد الحلول الناجعة لمواجهة هذه المشكلة، إضافة إلى أن النشر المسبق للبيانات وتحليلاتها في قواعد البيانات العامة، وخوادم ما قبل الطباعة، والمنتديات، لن يشكل خطرًا على النظر في قبول البحوث المقدَّمة للنشر في طبعات دورية Nature، وذلك على النحو الذي ذكرناه مسبقًا. إضافة إلى ذلك.. ستوفر كل الدوريات التي تتبعNature حرية الوصول المفتوح إلى جميع الأوراق البحثية المرتبطة بفيروس "زيكا" حتى إشعار آخر.
لقد شهدت الآونة الأخيرة بالفعل تحرُّكات واعدة؛ لإتاحة الوصول المفتوح السلس للبيانات الخاصة بحالة صغر الرأس، ووباء "زيكا" في الأمريكتين؛ كما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تدشين مبادرة "زيكا أوبن" Zika Open، تقوم من خلالها المنظمة بنشر جميع البيانات ذات الصلة في نشرتها على الإنترنت في غضون 24 ساعة.
تنشر دورية Nature بحثًا يبيِّن الحاجة إلى سرعة تداول البيانات خلال فترة تفشي الوباء، لا سيما أن تقنيات فك تتابع الجينوم قد حققت تقدمًا هائلًا إلى الحد الذي يسمح بإجراء فك تتابع الجينوم الكامل لعينة أحد الفيروسات في الميدان خلال 24 ساعة، عن طريق أحد أنظمة فك التتابع الجينومي المتنقلة، حيث كان إجراء فك التتابع الجينومي يستغرق وقتًا أطول في الماضي أثناء فترات تفشي الوباء، إذ كان يعتمد على إرسال العينات إلى المختبرات. ورغم أن هذه الطريقة ما زالت تواجه الكثير من التحديات التقنية، إلا أنها ينبغي أن تكون أداة حاسمة في مجال البحوث الوبائية؛ حيث تقدِّم الإمكانية لتعقب طرق الانتقال السريع للمرض من شخص إلى آخر؛ ومن ثم تساعد على توجيه السلطات إلى الموارد المباشرة، التي يمكن من خلالها قطع سلاسل نقل العدوى.
لا يمكن أن تتحقق الفائدة الكاملة لهذا التقدم، إلا إذا تمكَّن العلماء من الوصول إلى بيانات فك التتابع الجينومي، التي تم الحصول عليها من العينات المأخوذة في أوقات وأماكن مختلفة أثناء فترة تفشي المرض، كما تتضاعف أهمية بيانات فك تتابع الجينوم المسبِّب للمرض عند دراستها جنبًا إلى جنب مع البيانات الوبائية والإكلينيكية.
لقد تقلَّد علماء كثيرون في مختلف المجالات البحثية ـ لا سيما في مجال علم الجينوم ـ أدوار البطولة والحماسة في الإصدار المبكر للبيانات. واستخدم باحثو الأمراض المعدية المنتديات وقواعد البيانات العامة، مثل virological.org، وGISAID (المبادرة العالمية لنشر جميع بيانات الأنفلونزا)؛ حيث يمثل السابق منبرًا رئيسًا لتبادل التحليلات الأولية للبيانات، ومناقشتها، ويَعرِض حاليًّا تحليلًا جينوميًّا لفيروس "زيكا". أما "الاتحاد الدولي لالتهاب الجهاز التنفسي الحاد، والعدوى الناشئة" ISARIC، الذي تم تدشينه قبل أكثر من أربع سنوات، فيعمل مع الأطباء الإكلينيكيين وعلماء الأوبئة؛ لتفعيل البروتوكولات، وإجراء عمليات تبادل البيانات المتفَق عليها مسبقًا، التي يمكن تعديلها بعد ذلك بسرعة؛ لتلائم الوضع الجديد.
إضافة إلى ذلك.. نشرت دورية Nature ـ منذ ما يقرب من عام ـ مقالًا في قسم "تعليقات"، دعا إلى التبادل الفوري والمباشر للبيانات الخاصة بتفشي الفيروسات، وهي السياسة التي اتبعها الباحثون أنفسهم أثناء إجرائهم المبكر لفك تتابع جينوم فيروس الإيبولا لدى انتشاره في عامي 2014، و2015 (N. L. Yozwiak et al. Nature 518, 477 – 479; 2015). وطالَب الباحثون "منظمةَ الصحة العالمية" بعقد اجتماع؛ بهدف وضع توجيهات لتبادل البيانات أثناء فترة تفشي الأمراض المعدية. وقد عُقد هذا الاجتماع في سبتمبر الماضي، وحضره ممثلون عن الحكومات، وهيئات الصحة العامة، والعلماء، كما حضره ممولو البحوث، والمختصون بالأخلاقيات، والناشرون. وأَقَرَّ الجميع بالأهمية القصوى لنشر معلومات فك التتابع الجينومي، الخاصة بمسبِّب المرض، بصورة تتيح الوصول المفتوح السلس في أقرب وقت؛ لاكتشاف البيانات.
في السياق ذاته، أكَّد البيان الصادر عن "منظمة الصحة العالمية" ـ في أعقاب الاجتماع ـ أن "الالتزام الأخلاقي الجوهري" لكل باحث يصل إلى معلومات متعلقة بإحدى الحالات الطارئة في مجال الصحة العامة يقضي بنشر النتائج الأولية، بمجرد خضوعها لمراقبة الجودة. كما أكَّد ممثلو الدوريات الكبرى المتخصصة في الطب الحيوي ـ بشكل قاطع ـ أن إتاحة هذه المعلومات لن يُخِلّ بالنظر في نشرها في الدوريات.
رغم ذلك.. لا يزال العلماء يواجهون بعض التحديات، لتحقيق التبادل السلس والسريع للبيانات. فعلى سبيل المثال.. ما تواجِهه عمليات التبادل السريع للبيانات من معوِّقات هي بسبب عدم وجود قواعد دولية تحكم كيفية توزيع التقدير العلمي والحقوق المادية ـ بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية ـ بصورة عادلة بين العلماء والسلطات في الدول التي تعاني من تفشي الوباء، فضلًا عن الباحثين في سائر دول العالم؛ وقد رأينا ذلك فعليًا أثناء ظهور فيروسات إنفلونزا الطيور H5N1، وH7N9، وفيروس كورونا المسبِّب في متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
من ثم، سوف تشجِّع طبعات دورية Nature الباحثين الذين لم يُودِعُوا حتى الآن معلومات فك التتابع الجينومي ذات الصلة في الأرشيفات العامة على القيام بذلك عند تقديم الأبحاث؛ وذلك من أجل النهوض بدورنا في قيادة التحول نحو التبادل السريع للبيانات أثناء حالات الطوارئ في مجال الصحة العامة.
 
المصدر: http://arabicedition.nature.com/journal/2016/04/530129a