تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

الـدكـتـور عـمـر بـن عـبـدالـعـزيـز آل الـشـيـخ

Associate Professor

عضو هيئة تدريس

كلية الطب
كلية الطب
مدونة

علاج مناعي نوعي يَستهدِف مستضدًّا محدَّدًا

تُظْهِر الأبحاث أن الجسيمات النانوية المغلّفة بأجزاء من بروتينات الجسم نفسه تحرِّض الخلايا التائية في الجهاز المناعي على اكتساب وظائف تنظيمية، من شأنها أن توقف التفاعلات المناعية الذاتية التي تتضمن هذه المستضدات الذاتية.
ديفيد ريث
Nature (2016) doi:10.1038/nature17300 | Published online 1 أبريل 2016 
تنشأ أمراض المناعة الذاتية عندما يهاجم نظام المناعة لدينا أنسجتنا الخاصة، إذ تفشل الخلايا المناعية الخاصة بالمصابين في التعرف على بروتينات معيّنة خاصة بالجسم، وتهاجمها كما لو كانت غريبة. تلعب الخلايا التائية المساعِدة (TH) دورًا محوريًّا في أمراض المناعة الذاتية تلك، إذ تنسق وظائف خلايا أخرى في الجهاز المناعي، بما في ذلك الخلايا البائية، والخلايا التائية السامة، والخلايا البلعمية. وتميل العلاجات المتوفرة حاليًّا إلى وقف عمل الجهاز المناعي ككل، أو ـ في أفضل الأحوال ـ تثبيط حركة الخلايا التائية، أو وظيفتها؛ ما يؤدي حتمًا إلى زيادة إمكانية الإصابة بالعدوى والسرطان. أما العلاج المثالي، فهو أن يتم تحويل وظيفة الخلايا التائية المساعدة من كونها مسبِّبة للمرض إلى أن تصبح منظِّمة له، دون التأثير على بقية الجهاز المناعي. ومن ثم، يصف كليمنتي كاساريس وزملاؤه1 في بحثهم جسيمات نانوية مغلّفة، تساعد في إتمام هذا التحول، عن طريق الارتباط بمستقبِلات على الخلايا التائية المحتمَل أن تكون ذاتية التفاعل.
يمكن اعتبار النهج الذي اتبعه الباحثون أحد أنواع العلاج المناعي النوعي الذي يستهدف مستضدًّا محددًا من بين المستضدات، وهي البِنَى الجزيئية المحفّزة لعملية تفعيل الخلايا التائية، أو البائية. وعادة ما تكون مستضدات الخلايا التائية بمثابة قطع صغيرة من البروتينات (تسمى الببتيدات)؛ ويمكن لكل خلية تائية أن تعبّر عن مستقبِل سطحي مختلف، ما يتيح لنظامنا المناعي الاستجابة لمستضدات متنوعة، لا تُعَدّ ولا تُحْصَى، بما في ذلك المستضدات الذاتية. وقد تم تصميم العلاج المناعي النوعي الذي يستهدف مستضدًّا محددًّا؛ لإخماد الاستجابة المناعية نحو مستضد ما، أو مجموعة من المستضدات المترابطة بشكل وثيق. وقد استُخدم هذا المفهوم لعلاج الحساسية على مدار أكثر من قرن من الزمان، إلا أن العلاج المناعي النوعي لأمراض المناعة الذاتية قد تأخر، حتى اكتشاف أن الخلايا التائية المساعِدة يتم تفعيلها من قِبَل ببتيدات مقيدة ببروتينات المركّب الرئيس؛ للتلاؤم النسيجي من النوع الثاني (MHC-II). وقد أدَّى هذا إلى تصميم ببتيدات نوعية تستهدف الخلايا التائية المساعِدة، دون المخاطرة بتفعيل الخلايا التائية السامة ذاتية التفاعل أو الخلايا البائية3.
إذَن، كيف يمكن أن يؤدي التعرّض لببتيد معروف بتحفيزه للخلايا التائية المساعِدة ذاتية التفاعل إلى وقف المرض الذي تسبِّبه في الأساس؟ يأتي أفضل تفسير لذلك من خلال قاعدة "الإشارة المزدوجة" لتنشيط الخلية التائية، فجميع المستضدات، سواء أكانت ذاتية، أم غريبة، يجب أن تتفكك إلى ببتيدات، يجب أن ترتبط فيما بعد ببروتينات MHC-II، وأن تظهر على سطح الخلايا المقدّمة للمستضد (APCs)؛ كي تفعّل الخلايا التائية المساعِدة؛ وتُعتبر تلك هي الإشارة الأولى. كما يتعين على الخلايا المقدّمة للمستضد أيضًا أن تزيـد من إنتاجية الجزيئات المحفّزة المشــارِكة، مثل CD80، وCD86، لتقدم الإشارة الثانية المطلوبة من أجل بقاء الخلايا التائية المساعدة، وتكاثرها.
فما الذي يحدث عندما تتلقى الخلايا التائية المساعِدة الإشارةَ الأولى فقط؟ كان يُعتقد قديمًا أن ذلك يحفّز حالة عدم تجاوب والآن، أظهر كليمنتي كاساريس وزملاؤه أن معالجة الخلايا التائية المساعِدة بجسيمات نانوية مغلفة بنوع من الببتيد المقيد ببروتينات MHC-II (ما يُسمى بمركّب pMHC-NP) تحفز الإشارة الأولى فقط أيضًا، لكن بدلًا من إحداث عدم التجاوب فقط، يدفع هذا العلاج الخلايا التائية المساعِدة للتمايز؛ فتتحول إلى خلايا تمتلك خصائص الخلايا التائية التنظيمية، التي تعمل على وقف الاستجابات المناعية.
ومن ثم، تمارس تلك الخلايا التنظيمية وظيفتها، عن طريق إفراز البروتينات المضادة للالتهابات، إنترلوكين 10 (IL-10) وعامل النمو المحوّل بيتا (TGF-β)؛ كما تعبّر عن عامل النسخ T-bet، وتنتج جزيء السيتوكين ناقل الإشارة (IFN-γ) أثناء تمايزها. وتعني هذه السمات أن تلك الخلايا مستمدة من المجموعة الفرعية الأولى (TH1) من الخلايا التائية المساعدة (الشكل 1). ويُعَدّ تمايز الخلايا التائية المفرزة لإنترلوكين 10 ـ وهي المشار إليها هنا باسم الخلايا المشابهة للنوع الأول من الخلايا التائية التنظيمية (TR1) ـ من خلايا TH1، هو بمثابة آلية تنظيم مناعي، تُعرف بوقفها للاستجابات المناعية المفرطة في أنواع مختلفة من العدوى . وتتواسط هذه الخلايا آلية ارتجاع سلبي، تتضمن تثبيط الجزيئات التحفيزية المشارِكة، الموجودة على الخلايا المقدّمة للمستضد، وإنقاص بروتينات الالتهاب التي تفرزها الخلايا المقدّمة للمستضد أيضًا.
فما هي تتابعات تحفيز تلك الخلايا المشابهة لخلايا TR1 من قبل العلاج باستخدام مركّب pMHC-NP؟ أظهر كليمنتي كاساريس وزملاؤه أن تلك الخلايا تثبط عمل الخلايا المقدّمة للمستضد، وتدعم التنظيم المناعي، عن طريق تعزيز إنتاج إنترلوكين 10 من قِبَل الخلايا البائية (الشكل 1). كما أثبتوا انتقائية نهجهم باستخدام نماذج تجريبية مختلفة للأمراض المناعية الذاتية؛ فمركّبات pMHC-NP الحاملة لببتيدات من الكولاجين ـ وهو مستضد مشتق من المفاصل ـ أوقفت المرض في نموذج فأري لالتهاب المفاصل الروماتيزمي، لكن ليس في الفئران المصابة بالالتهاب النخاعي الدماغي التجريبي ذاتيّ المناعة (EAE)، وهو نموذج للتصلب المتعدد. أما مركّبات pMHC-NP الحاملة لببتيدات مستضدّات من الجهاز العصبي المركزي، فقد سيطرت على الالتهاب النخاعي الدماغي التجريبي ذاتيّ المناعة، لكنها لم تسيطر على التهاب المفاصل المحفَّز بالكولاجين. ويؤكد ذلك على أن التنظيم المناعي الذي يحفّزه العلاج باستخدام مركّب pMHC-NP يُعَدّ علاجًا انتقائيًّا للمستضد المحدد والأنسجة المعنية، وبالتالي المرض المُراد علاجه.
إضافةً إلى ذلك.. لم تحتَجْ مركبات pMHC-NP أن تستهدف الخلايا التائية الخاصة بكل الببتيدات في العضو المصاب. فحتى ببتيدات المستضدات الأضعف، التي لا تحفز ظهور المرض في المقام الأول، كانت قادرة على تحفيز الخلايا المشابهة لخلايا TR1، التي أوقفت عمل الخلايا التائية المساعدة والسامة، ذات الفعالية المضادة للمستضدات الأخرى (الشكل 1). وهكذا، وعلى الرغم من أن هذا العلاج شديد الانتقائية للمستضد في مرحلة التحريض الأولية، إلا أنه يستطيع التأثير محليًّا على أذرع الاستجابة المناعية الأخرى، عن طريق تحفيز نشاط الخلايا البائية التنظيمية، وإخماد الخلايا التائية المساعِدة والسامَّة المختصّة بمستضدات مختلفة. ويتطلب ذلك أن يكون جزء الببتيد من المستضد المحرِّض والمستضدات الأخرى مقدَّمًا من الخلايا نفسها المقدّمة للمستضد.
فهل من الممكن أن يؤدي هذا التثبيط الهامشي إلى تثبيط مناعي جهازي، عن طريق وقف نشاط الخلايا غير المشاركة في الاستجابة المناعية الذاتية، مؤديًا إلى زيادة إمكانية الإصابة بالعدوى أو السرطان؟ الإجابة هي: لا، إذ سيقتصر التثبيط الهامشي على الغدد الليمفاوية المرتبطة بالعضو المصاب، وسيؤثر فقط على الخلايا المقدّمة للمستضد الذاتي المناسب. وقد قام كليمنتي كاساريس وزملاؤه باستعراض هذه الانتقائية بوضوح؛ فالفئران التي عولجت بمركّبات pMHC-NP محميّة من أمراض المناعة الذاتية المتصلة بالأمر، إلا أنها تبدي استجابات كاملة للعدوى والمستضدات الغريبة.
تَستخدِم العلاجات التجريبية في هذه الدراسة نماذج عالية التميّز لأمراض المناعة الذاتية، لكن هل يمكن اعتبار هذا العمل مجرد نهج علاجي آخر ناجح في الفئران، لكنه لن ينجح أبدًا في البشر؟ يبدو أن ذلك ليس صحيحًا؛ فالباحثون يُظهِرون أن العلاج بمركّبات pMHC-NP يؤدي إلى تمايز وتكاثر الخلايا البشرية المشابهة لخلايا TR1 في الفئران المصابة بالعوز المناعي التي زُرعت فيها خلايا تائية وبائية بشرية، مما يدل على أن هذا النهج العلاجي يعمل على الخلايا البشرية. كما يشير عمل الفريق أيضًا إلى أن هذا النهج أكثر فاعلية من العلاج باستخدام مونومرات الببتيدات المرتبطة بالمركّب الرئيس للتلاؤم النسيجي، إذا أُعطي بجرعات مماثلة. كما يبدو أكثر تثبيطًا من تطبيق الببتيد وحده؛ إلا أن الجرعات وطرق الإعطاء في هذه الاختبارات لم تكن متشابهة.
هناك أدلة دامغة على أن مستضدات الببتيد يمكنها تحفيز الخلايا المشابهة لخلايا TR1، ووقف أمراض المناعة الذاتية في الفئران والبشر وبما أن العلاج بمركّبات pMHC-NP يحفّز الخلايا المشابهة لخلايا TR1، المماثلة لتلك التي تظهر بعد إعطاء الببتيد وحده، إذًا تحاكي تلك المركّبات الخلايا المقدّمة للمستضدات، التي ترتبط بها الببتيدات العلاجية في الجسم الحيّ. وسيكمن التحدي في كل من هذه المناهج في العثور على الجرعة الأمثل، وطريقة الإعطاء الأفضل؛ من أجل علاج المصابين. ومع التقدّم نحو التجارب الإكلينيكية، من المهم أن يتم التحقق بالتفصيل من آليّة عمل تلك المركّبات، بحيث يستفيد المرضى بشكل كامل من العلاج المناعي النوعي الموجَّه نحو مستضد محدد؛ لعلاج أمراض المناعة الذاتية.
المصدر:
http://arabicedition.nature.com/journal/2016/04/nature17300