تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

أ. د. راشد بن حسين العبد الكريم

Professor

قسم المناهج وطرق التدريس

التعليم
0000
مدونة

نظرات في كتاب د. الغذمي - العقل المؤمن والعقل الملحد

نظرات في كتاب أ.د.  الغذامي (العقل المؤمن)
أ. د. راشد بن حسين العبد الكريم
كتاب (العقل المؤمن/ العقل الملحد – كيف لعقول البشر أن تؤمن أو تلحد) كتاب حديث للأستاذ الدكتور عبد الله الغذامي. وهو كتاب فيما يظهر لي يختلف عن كتبه السابقة، بل يخرج عن ما تعودنا عليه من كتب الدكتور (النقد الأدبي) و (النقد الثقافي)، فهو يقع إلى حد كبير في موضوع فلسفة العلم، أو فلسفة الدين أو الفلسفة بشكل عام. الكتاب يتعرض إلى موقف المفكرين والعلماء من الأسئلة الكبرى الأساسية: هل للكون خالق؟ ما معنى وجودنا في هذا الحياة؟ ما مصيرنا بعد الموت؟ وهذه الأسئلة كلها تعود للسؤال الأول (هل يوجد خالق؟) إذ هو السؤال المحوري، والإجابة عليه هي مفتاح الإجابة على السؤالين الآخرين، (وغيرهما من الأسئلة المشابهة).
والمؤلف اهتم بهذه الأسئلة لأنه يرى أنها "الامتحان الحق للعقل البشري"، وهي أيضا الموضوعات التي تدور حولها حوارات الإيمان والإلحاد. وأنا على يقين أن المؤلف ما أراد بكتابه هذا إلا خيرا، وأنه أراد توجيه الشباب إلى الأخطاء المنهجية التي يقع فيها (الملحدون) و (الشُّكاك) من العلماء والفلاسفة في استدلالاتهم على مواقفهم. لكن من قراءتي للكتاب، بدا لي فيه بعض القضايا الجديرة بالوقوف عندها والتأمل فيها.
يبدأ المؤلف الكتاب بالتأكيد على أن الناس انقسموا في التعامل مع هذه الحالة الجدلية  إلى طريقين: من "يرى أن العلم حقق تقدما هائلا في كشوفاته؛ إلا أنه ظل عاجزا عن الوصول لأجوبة على الأسئلة تلك، وهذا الفريق يرى أن العلم والإيمان معا حقيقتان، غير أن حقيقة الإيمان لا يحلها العلم الطبيعي، بل هي مبحث فلسفي؛ بينما يرى الفريق الآخر أن العلم وحده هو الحقيقة ويقول بموت الفلسفة وأن العلم الطبيعي حل محلها، ومن ثم فما لا يثبته العلم الطبيعي فهو غير موجود، وتبعا لهذه الفرضية فإنهم يرفضون الأسئلة تلك ويصرحون أنها لا تعنيهم ؛ وهنا سنكون على مشهد بين فريق يتعامل مع الأسئلة وفريق يمتنع عنها، وكأنما هو حوار بين الحجة واللاحجة، واللاحجة تأتي عبر التصريح أنهم لا يملكون برهانا لنفي وجود الخالق بمثل أنهم لا يملكون برهانا يثبت وجود الخالق، هذه حال اللاحجة وحال من يرفض التعامل مع الأسئلة الوجودية مقابل من يتعامل مع الأسئلة ويعزز موقفه بحجج فلسفية." ويقول (ص 6) "ودوري هنا هو عرض نقدي معرفي لمواقف الفريقين ..."
هذا ما قاله المؤلف، لكن الذي خرجت به من قراءة الكتاب يمكن تلخيصه في أربع نقاط أساسية: (1) موقف راسل وهوكينج الملحدَين غير علمي ومتناقض ويعبر عن موقف اللاحجة، وأشار له المؤلف بالعلموية، (2) نظرية التطور لا تتعارض مع الدين، بشرط! (3) التهوين من أمر الشك، حيث إنه قرين الإيمان، ويمكن التعامل معه بالفلسفة، (4) المتشابه يزول تشابهه برده إلى التفكير الفلسفي أو بالتعاطي معه من خلال المنهج الفلسفي. وهذه القضايا الأربع فيما أرى مفصلية في موضوع الإلحاد والإيمان.
العلموية
العلموية بحسب قاموس أكسفورد هي (الاعتقاد الكامل في الطريقة العلمية، أو في حقيقة المعرفة العلمية)، فهي رؤية "تعتقد أنه بإمكان العلم الحديث أن يتوصل إلى معرفة مستقلة ومطلقة للواقع..." (مدخل إلى الفلسفة المعاصرة، مارك لوني ، ترجمة بغورة 2020).
يرى المؤلف أن "العلموية تعود إلى التداخل بين القول العلمي وقول العالم، كما يحدث في علوم الفقه حين يتداخل رأي الفقيه مع رأي الدين، ويصبح قول الفقيه وكأنه قول الدين..." وهذا غير دقيق، كما مر في تعريفها. فالعلموية رؤية فلسفية، لا تنحصر في التداخل بين القول العلمي وقول العالم، إذ هي (اعتقاد) أن العلم قادر على تفسير كل الظواهر الطبيعية، وأن ما لا يمكن تفسيره الآن من الظواهر سيُفسر عندما يتقدم العلم ونمتلك الأدوات لذلك، وأن ما لا يمكن من حيث المبدأ التعامل معه علميا فهو غير حقيقي، أو غير "علمي".  
 
والذي يراه المؤلف أن موقف هوكينج ودونكز موقف علموي. وكأن المؤلف – فيما بدا لي - أراد بالحديث عن العلموية أن يقول إن العلماء وصلوا إلى منطقة لا يفيد فيها العلم الطبيعي، لأنها لا تقع ضمن نطاق عمله – الميتافيزيقا - (وهو ما قاله كانط)، فعليهم أن لا يقحموا أنفسهم في الإجابة عنها، لأنها ليست اختصاصهم. وأن اتخاذهم موقفا بناء على منهجيتهم العلمية ليس صحيحا، لأن هذه المنطقة (وتلك الأسئلة) ليست موضوعا للعلم ومنهجيته، بل هي موضوع للفلسفة. وهو يرى – متابعا في ذلك لينكس - أن سبب موقف هوكينج هذا ضعفه في الفلسفة.
فهوكينج ودوكينز أجابا على السؤال الوجودي بما يرون أنه يمليه عليهم منهجهم العلمي، بحسب الموقف الفلسفي الذي يقفانه – وهو أنه لا يوجد إله، ومعنى ذلك أن العلم الطبيعي ليس فيه ما يثبت وجود الإله، وأنه يمكن تفسير وجود الكون إما بالتطور كما عند دوكينز أو بالجاذبية كما عند هوكينج. فالمؤلف يحاول أن يلزمهم بأن هذا السؤال لا يجيب عنه العلم (و إلزامه صحيح)، لكنه يرى أن عليهم أن يلجأوا إلى المنهج الصحيح في نظره وهو (البحث الفلسفي). لكن من المعلوم أن راسل لجأ إلى البحث الفلسفي – وقبله لجأ كانط – فلم يستطع إثبات وجود الله بأدلة يقينية.
والمؤلف يرى أن إعراض راسل عن مناقشة هذا الموضوع أضعف حواره فلسفيا. لكن المتأمل يرى أن هذا اتساق فكري من راسل. فهو، بوصفه فيلسوفا، يعتمد الدليل الفلسفي، ولا يؤمن إلا به، ولا يريد أن يعلن رأيا (إيمانيا) لا يقوم على أساس فلسفي يراه صحيحا.
فالذي يظهر أنه لا المنهج العلمي كما عند هوكينج ولا المنهج الفلسفي كما عند راسل يستطيع أي منهما أن يجيب على تلك الأسئلة. وليس صحيحا أن إجابة راسل – أو إعراضه عن الإجابة – تمثل عدم اهتمام بالموضوع، أو عدم رغبة فيه بحثه، إنما هو كان مقتنعا بأن البحث الفلسفي لا يقدم إجابة، لا إثباتا ولا نفيا. والسبب أن الإجابة لا تتوفر إلا بالإيمان. وبعد الإيمان تتوجه الأدلة العلمية والفلسفية لتقويته والدلالة عليه. وقد أكد هذا المؤلف عندما قال ص 107 "إنه [راسل] يتمثل قول كانط إن العقل عاجز عن الوصول إلى الله، وإن الطريق إلى الله يحتاج إلى سلوك مسلك غير مسار العقل، وهو ما نجده عند هيوم وروسو، حيث أحالا موضوع الإيمان إلى القلب والضمير ..."
أي أحالاه – بحسب المؤلف - إلى الإيمان. ومن هنا يستقيم كلام المؤلف عندما قال ص 135 " ثم يستجيب العقل لدواعي الوجدان، وستأتي الحجج الفلسفية لصالح الإيمان...".
أما العكس، وهو أن يأتي الإيمان نتيجة، أي أن يستجيب القلب لدواعي العقل فنادرا ما يحدث، ولذلك لا يعوّل عليه. لكن نرى أن المؤلف يكرر أن المخرج إنما هو في التفكير الفلسفي.
وقد أشار إلى قول راسل إن مناقشة الأسئلة الجوهرية (تحتاج نقاشا إلى يوم القيامة)، وكرر هذا في مواضع متفرقة، مشيرا إلى أنه نوع من التهرب والحيدة عن الجواب. وأنا أستبعد أن هذا حيدة وتهرب، بل أراه جوابا صحيحا، من راسل متسقا مع مبادئه (وإن كان لا يعنيه حرفيا بالضرورة)، وهو ما يشهد به واقع الفلسفة. فالنقاش الفلسفي حول هذا السؤال يبدو أنه سيستمر فعلا إلى يوم القيامة. وعليه فربما كان راسل يعني "حرفيا" ما قاله! فخلافا لما قاله المؤلف، فراسل لا "يهرب من الفلسفة" لكنه يقرر أنها ليست الطريق للإيمان، وليست دليلا يُطمأن إليه في إثبات وجود الله وربوبيته وألوهيته.
الذي يجب أن نتنبه إليه هو أن (العلموية)، أيا ما كان تعريفها أو مصدرها، موقفٌ فلسفي، وليس علميا. فالذي قاد إليه ويؤسس له هو التفكير الفلسفي، الذي يرى المؤلف أنه المخرج من أزمة الأسئلة الأساسية. فالتفكير الفلسفي هنا لم يحل الأزمة. كل ما يستطيعه هو أن يهرب إلى الأمام.. عن طريق طرح المزيد من الأسئلة.
نظرية التطور
التطور مبحث علمي أحيائي معقد. وفوق التعقيد العلمي لهذه النظرية فهي – كما قال المؤلف – (ص 71)  "أعقد النظريات فيما يخص علاقة الإيمان بالعلم لدرجة أصبحت النظرية وكأنها الحد الفاصل بين العلم والدين، ومن قال بأحدهما فيلزمه نفي الأخرى..."
وهي كذلك، لأن الإقرار بالخلق مفتاح الإيمان، ومن أقوى الأدلة على ربوبية الله وألوهيته.
يقرر المؤلف في صفحة 71 أنه لا شأن للأسئلة الجوهرية (كيف نشأ الكون وما غرض وجودنا في هذا الكون؟ وما مصيرنا بعد الموت..؟ ) بنظرية التطور! وبناء على ذلك – كما يرى – ستخف حدة الجدل عن النظرية ... "فالنظرية لا تتعامل مع هذه الأسئلة."!! ويعلل ذلك بأن النظرية " تتعامل مع استكشاف أمور قد حدثت أصلا، وتسعى النظرية لتتبع تسلسل الحدث وتطوره وما أفضى إليه، وتصف هذه المراحل وتمنحها تسميات وتبني على تسمياتها نظريات. أما كيف نشأت الأحداث ابتداء ومن أنشأها أصالة، وهل قوانين حركة التسلسل لها صانع سمح لها بأن تسير وفق تسلسل منضبط يصل بها لمراحل متقدمة ومتطورة، فهذا أمر ليس للنظرية أن تدعيه، تماما كسؤال ما قبل الانفجار الكبير، وكل ما يقوله العلم عن الانفجار الكبير هو تتبع لأمر جرى وليس للعلم أن يعرف ما سبق الحدث ولا لماذا نشأ عنه الكون، وهل أحدث الحدثُ نفسه أم له محدث"
 
انطلق المؤلف من موقفٍ مسلمٍ لنظرية التطور بأنها علمية، فلم يُشر إلى قيمتها العلمية. ولم يشر إلى أقسامها، ولم يُشر إلى أي إشكالات علمية حولها، ولم يشر إلى أنها اكتسبت قيمتها (أيا كانت) بالدرجة الأولى من عدم وجود منافس "علمي" لها. فالمنافس الوحيد لها هي الرؤية الدينية (الخلقوية) الإيمانية. وهذه الرؤية – الخلقوية - لا تمتلك مقومات النظرية "العلمية"، فضلا عن الحقيقة العلمية (بحسب رؤية العلم الطبيعي). فقوتها عند العلماء ليست لذاتها بقدر ما هو لعدم وجود بديل "علمي" عنها. (وسبق القول إن هذا وجه من أوجه العلموية).
واعتقادي بأن المؤلف يسلم بهذه النظرية جاء من عدم مسها بأي كلمة ولو من باب التحوط العلمي أو النقدي. وعلى أي حال هذا إشكال من جهتين، من جهة علمية، حيث إن النظرية فيها ثغرات، ومن جهة أن تثبيتها يقوي جانب الشك والإلحاد، لأنها أقوى أسلحة الملحدين في حربهم مع المؤمنين. فمن يقرأ هذا سيشعر أنه خاسر من البداية، إذ إنه لا يمكنه – بمفاهيمه الدينية الحالية - هزيمة الملحدين، أو الوقوف في وجههم، فلديهم (سلاح دمار شامل) للإيمان. والقول بأن النظرية ليس لها علاقة بنشوء الكون والغاية منه إن كان المقصود العلاقة التفسيرية المباشرة فهذا صحيح، لكن لها علاقة غير بماشرة – لكن قوية – بالنشوء والغاية. فقبول نظرية التطور وما يلزم منه من عدم وجود خالق يؤثر في تفسير نشأة الكون والغاية منه.
فهو يقرر ص 74 أن " العقبة بين الدين والعلم تنبع من النصوص الدينية التي تروي قصة خلق آدم، وقراءة النصوص بظاهرها سيجعل القارئ ملزَما بالقول [...] بأن البشر خُلقوا على هيئة واحدة ولم يمروا بمراحل تطور كما تزعم نظرية التطور. ولكن إعادة النظر في نصوص الكتب المقدسة سوف تعطينا فهما لا يقطع الطريق على مسار النظرية..."  هذا من وجهة نظر المؤلف (ص 77) "يزيح فكرة التعارض القسري بين نظريات التطور ونصوص القرآن..."
فيلاحظ أن المؤلف – وهو الناقد المتمرس - لم يمسَّ نظرية التطور لا جملة ولا تفصيلا، إنما توجه نقده للنصوص ولفهمها. وأنا أرى أن هذا موقف متحيز منذ البداية.
فالمؤلف يرى أن الحل يكون في خروج المؤمنين – الخلقويين - بأقل الخسائر، وذلك بأن يعودوا لـ "نصوصهم المقدسة" ويفسروها بما يتناسب مع نظرية التطور. ووجد بعض الإلماحات في بعض الآيات التي تصلح أن تكون مسوغا لهم لإعادة التفسير. محاولا تصوير أن مشكلة التطورية مع الرؤية الدينية للخلق إنما هو في (عملية الخلق)، لا في مبدأ الخلق. لكن المتأمل يرى أن هذا غير صحيح. فلا تكمن مشكلة التطوريين مع الخلقويين في العمليات، لو كان الأمر كذلك لما وجدت هذه الإشكالات. إنما المشكلة في المبدأ نفسه، فالتطوريون لا يرون (مبدأ) وجود خالق، سواء خلق دفعة واحدة أو على مراحل.
كما أن هناك مشكلة أخرى وهي أن نصوص الوحي عند المسلمين – فضلا عن غيرهم – تنص على أن الله خلق، وسوّى، وأنه خلق آدم بيده، ونفخ فيه روحا من الأرواح التي خلقها. فليس من اليسير – وربما ليس من الممكن – على المؤمنين أن يتنازلوا عن ذلك. ولو فرض ذلك فإن هذا سيثير من الشكوك أكثر مما تثيره النظرية في وضعها الحالي.
ولنتنبه إلى أن هذا التنازل يتم أمام (نظرية)، وليس أمام حقيقة علمية متفق عليها، بحيث تعد مخالفتها مخالفة للعقل الصريح.  
فكأنه يُقال لنا: أيها المؤمنون، إن فرضية التطور حقيقة علمية، ولكيلا تسبب لكم الشك، وتدعوكم للإلحاد فكل ما عليكم أن تعودوا لكتبكم المقدسة وتعيدوا قراءتها بطريقة لا تتعارض مع تلك الحقيقة التطورية. وينتهي الأمر.
 أعتقد أن الكتاب بهذا قدم خدمة جليلة لأنصار النظرية، وثبت دعائم الإلحاد – من حيث لا يشعر - حيث ثبتها حقيقة علمية، وطالب المؤمنين أن يكفروا عن خطيئتهم، بإعادة النظر في نصوصهم، وإيجاد قراءة جديدة لها. فقد أبقى الملحدين مطمئنة قلوبهم لإلحادهم وشكك المؤمنين بنصوص كتبهم، وبطريقتهم في فهمها. وعلى هذا فيكون المؤلف لم يأتِ بجديد، فكثير من أنصار النظرية - حتى بعض الملحدين منهم – لا يطلبون من المؤمنين أكثر من ذلك، فهم لا يطلبون منهم أن يكفروا بنصوصهم أو أن يلحدوا، إنما يطلبون منهم فقط (أن يعيدوا قراءة النص) ليتقبل هذه النظرية – ويتقبل أخواتها. فقط لا غير.
يمكن أن يقول المؤلف إنه يتحدث عن (نسخة) النظرية التي لا تتعارض مع الإيمان بخالق، والتي، فيما يرى، يمكن أن يعاد تفسير النصوص الدينية بما لا يتعارض معها. لكن هذا لا يحل الإشكال، لأسباب: الأول أنه لم يقل ذلك فيجعلنا على بينة، بل أطلق القول، والقارئ يفهم من قوله العموم. والثاني أن إثباته لهذا القول يعني أن النظرية فيها خلاف، وأنه يمكن أن تُطور منها نسخ. وهذا ينقلها من الحقيقة العلمية إلى (القول العلمي) أو الفرضية. والثالث أن هذه النسخة يمكن أن تكون مقبولة لكن بشرط أن نبطل معاني النصوص التي تنص على خلق الله لآدم بيده. ويُضعف هذا الاحتمالَ (أعني أن المؤلف قصد هذه النسخة أو الرؤية من التطور) قوله في ص 72 " ... ولكن يقابل ذلك انشقاق عميق بين عباد الله، فبعض يأخذ نظرية التطور لكي يلغي وجود الخالق، وبعض يقف ضد النظرية متخوفا منها...". فالعبارة فيها عمومية، ولم تخصص نسخة معينة من النظرية.
وأعتقد أن موقف الكتاب هذا من التطورية – فيما يتعلق بخلق الإنسان - يندرج تحت (العلموية) – التي نقدها أكثر وأوضح من اندراج موقف هوكينج تحتها! فالقول بأن (العلم/ علم الأحياء) يجب أن يفسر بداية خلق الأحياء، بما فيها الإنسان، وأن تفسيره – الآن – يجب أن يكون حقا وكل ما يخالفه فهو باطل، وأن أي رؤية أخرى لا يمكن إثباتها بـ (الطريقة العلمية) فهي باطلة، هو العلموية..
فكما أن هوكينج علموي فيزيائيا في موقفه من (نشأة الكون)، فالتطوريون علمويون أحيائيا في موقفهم من (نشأة الأحياء). والعلموية موقف فلسفي. لا يجوز أن نقبله في موضع وننكره في موضع آخر. وغالب من يقبل الرؤية التطورية دون تحفظ هم أنصار العلموية، ففي الغالب هناك ارتباط بين العلموية والتطورية. فالتطورية اكتسبت جزءًا كبيرا من قوتها بسبب "الاعتقاد" بأن أي رؤية غير "علمية" يجب أن لا تقبل في تفسير ظاهرة الخلق
التهوين من أمر الشك
الدين يطلب الإيمان الذي يأتي بالاطمئنان، ويشجع على اليقين، ويستند على النصوص الوحي، ويعتضد بها. الإلحاد يبدأ بالشك، ويسير معه ويستمرئه، ويستند على التفكير الفلسفي ويعتضد به.
وقد وردت نصوص شرعية عن خبرات شك وردت على بعض المؤمنين. وهذه الخبرات وُوجهت من الصحابة (كما تواجه من المؤمنين في كل حين) بالصرامة والحذر، ووجّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى علاجها: الانتهاء والاستعاذة واللجوء إلى لإيمان.
والشك الذي قد يطرأ مع الإيمان – إن صحَّ أن يسمى شكًا بالمتعارف عليه في هذا السياق - شكٌ طارئ، وفي غير الأسس (والمحكمات)، وينتهي عنه صاحبه بإيمانه ومحكماته. فهو أقرب للوسوسة الطارئة التي تنتهي في حينها. وقد ورد في بعض الأحاديث عن بعض الصحابة. وقال ابن تيمية: "والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان بوساوس الكفر التي يضيق بها صدره. كما قالت الصحابة يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به. فقال (ذاك صريح الإيمان). وفي رواية ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: (الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة). أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له، ودفعه عن القلوب هو من صريح الإيمان". أنتهى كلامه رحمه الله. فانظر إلى استعظام الصحابة لهذا الأمر، وانظر إلى توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لعلاجه: "فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته". فهذا هو الموقف: الاستعظام والتحرج، والتعوذ والانتهاء.
بدا لي من قراءة الكتاب أن المؤلف يرى غير ذلك. فالذي ظهر لي من القراءة أن المؤلف يهوّن من ورود الشك، ويراه أمرا طبيعيا يجب ألا يثير القلق. ويسوق (ص 114) ديكارت وهوكينج وراسل أمثلة على المؤمن – الذي ارتضى الشك منهجا له - والملحد واللاأدري. ويقول " والأكيد أن كل فرد منا سيكون مثل واحد من هؤلاء الثلاثة."! فمثال المؤمن في إيمانه هو (ديكارت)!
ويسوق قصة إبراهيم عليه السلام المذكورة في القرآن، عندما سأل اللهَ أن يريه إحياء الموتى. يقول الله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة 260
يقول ( ص 116) معلقا  "فإبراهيم لم يكن ينقصه الإيمان بحد ذاته، ولكنه كان محتاجا إلى الطمأنينة التي تعزز إيمانه..."
وهذا صحيح، لكنه يكمل ناقضا ما تقدم، فيقول: " ولم يُخف[1] إبراهيم شكه ولم يؤثم نفسه بسبب رغباته العميقة بل تعامل معها بالسؤال..."! 
وفي صفحة 115 قال " على أن الشك يصحب الإيمان، وكذلك يصحب الإلحاد، وهو عنصر جوهري في كل منهما، ولن يخلو مؤمن من شك ..." ويضيف ص 117 "بين المحكم والمتشابه يسكن الشك ويسكن الإيمان متجاورين؛ فيتعزز الشك ليصبح إلحادا أو يتواضع ليتحول إلى إيمان..."
وهذا مبالغة في التطمين في غير محلها، خاصة أن رأي المؤلف في علاج هذا الشك والتعامل معه كان مضطربا، أو على أقل الأحوال غير واضح. فمرة يحيله للإيمان والتمسك بالمحكمات (وهذا هو الصحيح)، ومرة يحيله إلى (التفكير الفلسفي)! وهل قاد كبار العلماء والفلاسفة إلى الشك إلا التفكير الفلسفي؟!
وليس في الآية أن إبراهيم شك في قدرة الله، إنما سأل أن يريه الله (كيف) يحيي الموتى. وعندما سأله الله هل هذا عدم إيمان؟ أجابه بالنفي، وإنما أراد أن يطمئن قلبه. فاطمئنان القلب أمر زائد على الإيمان (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله). وعلى فرض تفسير سؤال إبراهيم بأنه (شك) بالمعنى الذي يريده المؤلف، فإنه يجب النظر إلى الاستجابة لهذا الطلب. فإن الله قطعا لم يوجه إبراهيم إلى (الاستدلال الفلسفي)، إنما وجهه إلى أمر عملي، فهو سأل عن (الكيفية)، ليطمئن قلبه، فأُعطي ما يناسب سؤاله.
وقول المؤلف استدلالا بالآية " ولم يُخف إبراهيم شكه ولم يؤثم نفسه بسبب رغباته العميقة بل تعامل معها بالسؤال..."!  عجيب، بعد قوله "...فإبراهيم لم يكن ينقصه الإيمان...", ولا ندري ما المقصود ب (رغباته العميقة). فأي شك يبقى مع إيمان غير ناقص؟!
 
ويضيف ص 117 "بين المحكم والمتشابه يسكن الشك ويسكن الإيمان متجاورين؛ فيتعزز الشك ليصبح إلحادا أو يتواضع ليتحول إلى إيمان، وفي كل دين من الديانات السماوية (ذات الكتب الموحاة من الله) يحضر المحكم والمتشابه..." وهذه بداية جيدة، لكن الإشكال فيما تلاها، حيث يقول ص 117 " وهنا نكون في صف المؤمن المتغلب على شكوكه عبر وساطة المحكم مما يراه في النصوص المنزلة من الله، ويحيل المتشابه حينها للتفكير الفلسفي الذي سيضع فرضيات جدلية [...] وفيها ستكون إجابات عما قبل نشوء الكون وعن سبب خلق الكون، وعن معنى وجودنا ومصيرنا بعد الموت، هذا هو معنى الطمأنينة..."
ومع ذلك فقد قال المؤلف في الصفحة التالية (ص )118 "هذه معادلة يرتضيها بعضنا، ويعالج بها شكوكه وتجعله يحيل المتشابه إلى المحكم، فيطمئن للمحكم ويعالج به المتشابه، وهذا هو معنى الطمأنينة...".
فليس بواضح كيف نتغلب على الشك الذي قد يحصل من المتشابه، هل بردّه للمحكم أم برده للتفكير الفلسفي. رده للمحكم من النصوص إيمان محض، ورده للتفكير الفلسفي لا أراه يزيل من تشابهه شيئا. بل إن المتأمل في حال كثير ممن يسلك هذا المسلك (أي يرد المتشابه للتفكير الفلسفي) ينتهي به الأمر إلى توسيع دائرة التفكير الفلسفي لتشمل المحكم، فتجعله متشابها.
يختم هذا الفصل ص 30 بتقرير أن كتب هوكينج تفيض "بمقولة اللايقين في كل مسألة لا يستطيع العلم النفاذ إليها..." ثم يتوصل إلى أن "هذه المناطق هي ما يحتاج إلى الفلسفة، ولا يستطيع التعامل معها غير الفلاسفة..." (ويؤكد هذا في ص 33) ولا أدري ما الذي يبقى بعد ذلك للدين وللإيمان؟ خاصة أنه يقول ص 135 " ... إن الإلحاد يعود لتغليب العقل على القلب وجعل العقل أعلى منزلة من الوجدان..." وهذا صحيح، ويضيف المؤلف: "... وسيجد الإيمان طريقه للعقل [...] ثم يستجيب العقل لدواعي الوجدان، وستأتي الحجج الفلسفية لصالح الإيمان..."
فالمتحصل من كلام الكتاب عن (الشك) هو التهوين من شأنه، وتقرير أنه مقارن للإيمان، ولا ينبغي القلق منه، بل يُلجأ في التعامل معه إلى المنهج الفلسفي، الذي هو كفيل بحله. وأنا هنا لا أريد أن أحقق القول في إمكانية ورود الشك بأي صورة كانت على المؤمن، فليس هذا هو المقصد، إنما المقصد أمران:
الأول أن الشك يضعف الإيمان، وربما يتطور حتى يزيله. فموقف المؤمن هو استعظام الشك والخوف منه، وعدم الركون إليه والتطامن له.
الثاني، أن العلاج النبوي للشك الذي يطرأ على النفس وسوسة من الشيطان هو التوقف عنه والرجوع إلى الإيمان.
فليس فيه توجيه لنظر فلسفي. بل إن النظر الفلسفي (ولا أقول العقلي) هو مادة الشك. فالتفكير الفلسفي يجعل الشك منطلقَه، ولا يعالج الأسئلة التي يفتح بابها الشك إلا بمزيد من الأسئلة. فالمؤمن يهرب من الشك للإيمان بحثا عن الطمأنينة، بينما الملحد يهرب من الشك إلى الشك. وقد قال الغزالي رحمه الله، في رسالته (فيصل التفرقة)، وهو من خبر المناهج العقلية والفلسفية وعانى من الشك: " الإيمان المستفاد من الدليل الكلامي [العقلي] ضعيف جدا مشرف على التزاول بكل شبهة، بل الإيمان الراسخ إيمان العوام الحاصل في قلوبهم...". وقد أكد ذلك المؤلف بقوله " الإلحاد يعود لتغلب العقل على القلب."
إن الشك عدو الإيمان، وما الإيمان إلا طرد للشك والريب. ولو فُرض أن الشك قد يُداخل الإيمان في بعض أحيانه، فإنه لا يستقر مع الإيمان، ولا يأنس له المؤمن، لأنه بطبيعته مناقض للإيمان. والنظر الفلسفي، وإن نفعت بعض صوره أحيانا، وهي الصور القريبة من التفكير العقلي الفطري غير المتعمق، إلا أنه بطبيعته المتقبلة للشك، وغير المتوقفة عن التساؤل، ليس السبيل الطبيعي ولا الأحمد للتعامل مع الشك. 
المتشابه
تحصل مما سبق – فيما أرى – أن المؤلف يقر بنظرية التطور، ويرى أنه لا مشكلة فيها في ذاتها ولا مع الإيمان إذا أعدنا النظر في التفسيرات التقليدية المحددة لعملية الخلق. وتحصل أيضا أن من الأسئلة ما لا يستطيع العلم الإجابة عليه، ويجب أن تترك الإجابة عليه للتفكير الفلسفي. وبدا أن المؤلف يقلل من خطر ظهور الشك، ويرى أن الشك قرين الإيمان، وأن الشك يزول بالنظر الفلسفي.
القضية الرابعة التي بدت لي في الكتاب هي قضية التعامل مع المتشابه. فالمتشابه في النصوص الشرعية هي النصوص غير واضحة المعنى، أو التي تحتمل أكثر من معنى، ولا يتضح معناها أو يترجح إلا بردها للمحكم. والأصل في هذا قول الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)  (7 آل عمران). والحقيقة أن الموقف من (المتشابه)، الذي يتكون من قراءة الكتاب، مضطرب أو على الأقل غير واضح. لكنه في مجمله يسير مع تكوين موقف (رخو) من الشك، وربما من الإلحاد.
يقول ص 117 " وهنا نكون في صف المؤمن المتغلب على شكوكه عبر وساطة المحكم مما يراه في النصوص المنزلة من الله، ويحيل المتشابه حينها للتفكير الفلسفي الذي سيضع فرضيات جدلية [...] وفيها ستكون إجابات عما قبل نشوء الكون وعن سبب خلق الكون، وعن معنى وجودنا ومصيرنا بعد الموت، هذا هو معنى الطمأنينة..."
فهو يرى أن المؤمن هو من يتغلب على شكوكه، وليس من لم ترِد عليه الشكوك. ويكون هذا التغلب بوساطة المحكم (وهو ما له معنى واحد واضح)، ويحيل المتشابه للتفكير الفلسفي. والغريب أنه أدرج ضمن المتشابه (ما قبل نشوء الكون) و (سبب خلق الكون) و (معنى وجودنا) و (مصيرنا بعد الموت)! ولا أدري بأي نظر أصبحت هذه القضايا ضمن المتشابه. فإذا كانت هذه ضمن المتشابه في النصوص الدينية، فليس في تلك النصوص محكم. بل لم يعد لتلك النصوص فائدة. وهل قدم النظر الفلسفي إجابات على هذه الأسئلة؟!
فالمتشابه لم يوجد ليُرد إلى النظر الفلسفي، فالنظر الفلسفي ليس بحاجة إلى متشابه ليبدأ، فهو بطبيعته يجعل كل شيء متشابها. وإنما وجد المتشابه ليؤمَن به ويُردّ إلى المحكم. وهذا ما أشار إليه المؤلف، - لكنه نسبه إلى بعضنا! - فقد قال في ص 118 "هذه معادلة يرتضيها بعضنا، ويعالج بها شكوكه وتجعله يحيل المتشابه إلى المحكم، فيطمئن للمحكم ويعالج به المتشابه، وهذا هو معنى الطمأنينة...".
وهذا هو الطريق الصحيح، والذي يقطع طريق (الذين في قلوبهم زيغ) – كما هو تعبير القرآن. لكن لا أدري كيف نجمع بين هذا وبين قول المؤلف الذي سبق في صفحة 117: " ويحيل المتشابه حينها للتفكير الفلسفي الذي سيضع فرضيات جدلية... وفيها ستكون إجابات"؟
وقوله (بعضنا) يشير إلى أنه قول آخر غير القول بالرد إلى المنهج الفلسفي. ومعنى هذا أنه يرى أن في المسألة قولين، وأن الأرجح عنده هو الرد إلى التفكير الفلسفي، بحكم أنه ذكره أولا وبحكم أنه نسب هذا القول ل (بعضنا).
ولكن في هذه الحالة كان على المؤلف أن يحل إشكال أن التفكير الفلسفي هو الذي أوصل راسل إلى ما وصل إليه. بل إنه هو الذي أوصل هوكينج ودوكينز إلى ما وصلا إليه، بغض النظر عن مستواهما الفلسفي أو موقفهما من الفلسفة. فموقفهما من الأسئلة الأساسية، وإن كان أساسه علمي، إلا أنه موقف فلسفي.
 
لكن قد يكون المؤلف، قصد بالفلسفة (مطلق النظر العقلي) – التفكر والتدبر - ، أو الاستدلال العقلي الذي ينطلق من مسلمات يتفق عليها العقلاء، وليس (النظر العقلي المطلق) وليس "الفلسفة" التي لا تقف عند مسلمات، بل تعتمد النظر العقلي الخالص، وتطرح السؤال تِلوَ السؤال، وفي هذه الحال يجب أن يكون هذا واضحا للقارئ.
 
هذه النقاط (العلموية والتطورية والتهوين من الشك والإحالة للنظر الفلسفي) لا أرى أن الكتاب قدمها بما يعالج شك الشاك أو يقوي إيمان المؤمن، فيما يتعلق بالأسئلة الكبرى.
إن هذه الأسئلة الأساسية طريقها الصحيح هو الإيمان، لأنها أسئلة أجوبتها مستقرة في فطرة الإنسان، وليس في العقل ما يعارض تلك الأجوبة. والعلم الطبيعي والنظر العقلي الخاليان من التكلّف الفلسفي يؤيدان ذلك الإيمان ويرسخانه، ويساعدان على طرد أي شك يطرأ بوسوسة من الشيطان، أو بخلل في الفطرة، أو بسوء في الفهم. وأجوبة هذه الأسئلة لم يتركها الله جل وعلا لنظر البشر وتفكيرهم، لأنه علِم – سبحانه – أنهم أعجز عن الوصول للإجابة الشافية، بل أجاب عنها بطرق متعددة في القران، بالتقرير المباشر ثم بالتوجيه للنظر في الأنفس والآفاق، بما يفهمه كل إنسان عاقل، بما يدفع الشبهة، ويُطمْئن القلب والعقل، ويزيل العذر ويقيم الحجة.  
والله أعلم، وهو الموفق للصواب.

 

[1] الكلمة غير مشكولة في الأصل، فهي تحتمل هذا وتحتمل (لم يَخَف)، والمعنى بأي منهما مستقيم.