تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

DR Saad M. Alotaibi د.سعد بن مرزوق العتيبي

Associate Professor

Associate Professor أستاذ مشارك بقسم الإدارة

كلية إدارة الأعمال
51
مدونة

التمكين النفسيُّ

يُعَدُّ مفهوم التمكين من المفاهيم التي شاع استخدامُها في مكان العمل في السَّنواتِ الماضية، ومن أسباب شيوع انتشار هذا المفهوم النظرُ إليه كعنصر حاسم لزيادة الفاعليَّة التنظيميَّة (Conger and Kanungo, 1988; Spreitzer, 1997). ولايختلف مفهومُ التمكين عن غيره من المفاهيم الإداريَّة الحديثة، حيث تزخر الأدبياتُ بالعديد من التعريفاتِ والتفسيراتِ المختلفة؛ فالبعض يرى التمكين كتفويض للسُّلطة، وتوزيع سُلطة صُنع القرار على الموظفين أصحاب المراتب الدُّنيا، وتيسير وصول الموظفين للمعلوماتِ (Blanchard et al., 1996; Bowen and Lawler, 1992; Harley, 1999). على سبيل المثال، يصف (Harley, 1999:43) التمكين "كتفويض السُّلطة للموظفين، وتبادُل المعلوماتِ بين مختلف مستوياتِ التنظيم" أمَّا كلٌّ مِن (Bowen and Lawler, 1992) فينظران للتمكين كمشاركة في المعلوماتِ، والمعرفة، والمكافآتِ، والسُّلطة لموظفي الصفوف الأماميَّة في المنظمة. ويرى (Blanchard et al., 1996) وزملاؤه التمكينَ على أنه "تبادُل المعلوماتِ ومشاركة الموظفين في بناء الفريق والهياكل التنظيميَّة". ويَعتبِر كلٌّ مِن (Quinn and Spreitzer, 1997) هذا النوعَ من التمكين أنه "المنهج الميكانيكيُّ".

وفقًا للمنهج "الميكانيكيِّ" أو ما يُطلِق عليه باحثون آخرون المنهج البنائيَّ أو الهيكليَّ؛ فالتمكينُ مجموعة من السياساتِ والممارَساتِ التي تسنُّها الإدارة بهدف تسلسُل السُّلطة، وسُلطة اتخاذ القرار، والمسؤوليَّة، من المستوياتِ العليا وصولًا للمستوياتِ الدُّنيا في المنظمة (Bowen and Lawler, 1992; Conger and Kanungo, 1988; Spreitzer,2007 ). ويركز المنهج البنائيُّ أو الهيكليُّ على الممارَساتِ الإداريَّة الرامية إلى تمكين الموظفين في المستوياتِ التنظيميَّة الأدنى. على هذا النحو، يختلف مفهوم التمكين عن الممارَساتِ التقليديَّة؛ بمعنى أنه ينطوي على تفويض مسؤولياتِ صُنع القرار وتوفير إمكانيَّة الوصول إلى المعلوماتِ والموارد إلى أدنى مستوى مُمكِن في التسلسُل الهرميِّ (Bowen and Lawler, 1992, 1995;Rothstein, 1995). الفكرة المركزيَّة للمنهج البنائيِّ تنطوي على تبنِّي التمكين في المنظمة كسلوكياتٍ ومهاراتٍ إداريَّة مثل: تفويض صلاحياتِ اتخاذ القراراتِ للموظفين، إلى جانب منحهم السلطة التقديريَّة للتصرف بحريَّة (Mills and Ungson, 2003).
وتجدُر الإشارة إلى إمكانيَّة تبنِّي المنظماتِ لبرامج التمكين؛ وذلك مِن خلال تطبيق السياساتِ والممارساتِ التي تعزِّز تبادُل المعلوماتِ، والمعرفة، والمكافآتِ، والسُّلطة بين مختلف المستوياتِ الإدرايَّة (Lawler et al., 1995). ويحدُث ذلك عندما تتخلَّى المنظماتُ عن الأسلوب التقليديِّ الهرميِّ، وتتبنَّى نموذج الاندماج العالي. وتستخدم المنظماتُ التي تنحى للاندماج العالي أساليبَ إداريَّة متعددةً لخَلْق بيئة تشجِّع التفكير بأسلوبٍ إستراتيجيٍّ، وتحمُّل المسؤوليَّة الشخصيَّة للأعمال التي تُؤدَّى (Lawler, 1986).
منذ بدايَّة التسعينياتِ الميلاديَّة من القرن الماضي، شهدَت بحوثُ علم النفس التنظيميِّ تحوُّلًا في النظر لتمكين الموارد البشريَّة كظاهرة معقَّدة ومتعدِّدة الأبعاد (Conger and Kanungo, 1988; Thomas and Velthouse, 1990). قد جادل العديدُ من الباحثين على أنَّ هناك فرقًا بين التصرُّفات الإداريَّة المحدّدة وتصوُّرات الموظفين ذات الصِّلة بهذه التصرفاتِ (Thomas and Velthouse, 1990). ومِن ثمَّ، تعامَل العديدُ مِن الباحثين (Thomas and Velthouse, 1990; Quinn and Spreitzer, 1997; Ford and Fottler, 1995) مع التمكين كمفهوم متعدد الأبعاد، وأنَّ هناك اختلافًا في تصوُّرات الأفراد لمعنى التمكين. ويُطلِق كلٌّ مِن (Quinn and Spreitzer, 1997) على هذا المنهج "الأسلوبَ العضويَّ"، بينما يُطلِق عليه باحثون آخرون التمكينَ النفسيَّ (Conger and Kanungo, 1988). يركز التمكينُ النفسيُّ بشكل محدَّد على شعور وتصوُّرات الموظفين نحو تجربة التمكين؛ فالتمكينُ النفسيُّ متغيِّر مستمِرُّ يعكِسُ درجة الشعور بالتمكين، عوضًا عن وجود أو غياب التمكين (Spreitzer, 1995). وينتج عن التمكين النفسيِّ إطارٌ فعَّالٌ للعمل، الذي يدفع الأفرادَ للسعي والشعور بالقدرة على تشكيل أدوار وبيئة العمل (Spreitzer, 1995).
وأوضح كلٌّ مِن (Conger and Kanungo, 1988) مفهومَ التمكين كعمليَّة لتحفيز الكفاءة الذاتيَّة، وعرَّفَا التمكين كعمليَّة لتعزيز الشعور بالفاعليَّة الذاتيَّة للموظفين من خلال التعرُّف على الظروف التي تعزِّز شعورَهم بالضَّعف، والعمل على إزالتها والتغلُّب عليها مِن خلال الممارَساتِ التنظيميَّة الرَّسميَّة وغير الرَّسميَّة؛ وذلك بالاعتماد على تقديم معلوماتٍ راجعة للموظفين عن فاعليتهم الذاتيَّة. ومن ناحية أخرى، طوَّر (Thomas and Velthouse, 1990) هذا النموذجَ مِن خلال تعريف التمكين النفسيِّ كزيادة في تحفيز المهام الداخليَّة، واقترح نموذج التمكين الإدراكيَّ، الذي يتضمَّنُ أربعة أبعاد: المعنى، الكفاءة، الاختيار، والتأثير. يُقصَد بالمعنى تقييم الأفراد لأهداف العمل، اعتمادًا على المعايير ونظام القيم الشخصيَّة للفرد (Thomas and Velthouse, 1990)، وتشير الكفاءة إلى تقييم الأفراد المعرفيِّ لقدرتهم على إنهاء مَهام عملهم، ويعني الاختيارُ أنَّ الأفراد يمتلكون حريَّة التصرف في عملياتِ العمل وسلوكياته، ويُقصَد بالتأثير مدى تأثير أداء الأفراد على النتائج الإستراتيجيَّة، والإداريَّة، والتشغيليَّة للمنظمة (Ashforth, 1989).
وعرَّفَتْ (Spreitzer, 1995:1444) التمكينَ النفسيَّ بأنه "بناءٌ تحفيزيٌّ يتجلَّى في أربعة أبعاد إداركيَّة: المعنى، الكفاءة، الاستقلاليَّة الذاتيَّة، والتأثير". ينطوي المعنى على "قيمة ومعنى متطلَّباتِ دور العمل وتقييمه وفقًا لمعايير القيم الشخصيَّة للفرد" (Spreitzer, 1995:1443). ويتضمن المعنى "تطابُق بين متطلباتِ دور العمل والمعتقداتِ والسلوكياتِ" (Spreitzer, 1995:1443). ويُقصَد بالكفاءة أو الفاعليَّة الذاتيَّة "إيمان الفرد بقدرته على أداء العمل بمهارة" (Spreitzer, 1995:1443). أمَّا الاستقلاليَّة الذاتيَّة، فيُقصَد بها "شعورُ الفرد بامتلاكه للمبادرة وتنظيم الإجراءاتِ" ( Spreitzer, 1995:1443). وأخيرًا، يُقصَد بالتأثير "درجة تأثير الفرد على النتائج الإستراتيجيَّة والإداريَّة والتشغيليَّة في العمل" ( Spreitzer, 1995:1443). وهكذا، وفقًا (Spreitzer, 1995:1444) فالتمكين حالة نفسيَّة من خلال "التوجُّه النَّشِط للعمل، وشعور الفرد ورغبته بأنه قادرٌ على تشكيل دور العمل والسِّياق التنظيميِّ". في هذه الدِّراسة، سوف نعتمد على تعريف (Spreitzer, 1995:1444) للتمكين النفسيِّ بأنه "بناءٌ تحفيزيٌّ يتجلي في أربعة أبعاد إداركيَّة: المعنى، الكفاءة، الاستقلاليَّة الذاتيَّة، والتأثير".