تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

DR Saad M. Alotaibi د.سعد بن مرزوق العتيبي

Associate Professor

Associate Professor أستاذ مشارك بقسم الإدارة

كلية إدارة الأعمال
51
مدونة

سلوكُ القيادة التحويليَّةِ والاندماج في العمل

 

    أبدى الباحثون والممارسون على حدِّ السّواء اهتمامًا كبيرًا بمدى قدرةِ القائد في التأثير على اندماج التابعين في العمل، ويُقصَد بذلك، استثمارُ التابعين لطاقاتهم العاطفيَّةِ، والإدراكيَّةِ، والبدنيَّةِ في دور الأداء (e.g., Kahn,1990; Rich, Lepine, and Crawford, 2010). وقد ركزَت الأبحاثُ السابقة بشكل أساسيٍّ على سلوك القيادة التحويليَّةِ التي مِنْ خلالها يمكنُ للقائد أنْ يلهِمَ، ويحفِّزَ، ويعملَ لإيصال رؤيةِ المنظَّمة بشكل مُقنِع، ويحفِّزَ التابعين لبذل أقصى طاقاتهم في أثناء أداء عملهم (e.g., Babcock-Roberson and Strickland,2010; Tims, Bakker, and Xanthopoulou,2011; Zhu, Avolio, and Walumbwa, 2009;). واقترح Burns 1978)) أنه يمكن للقيادة أنْ تكونَ تحويليَّةً بدلًا من أنْ تكونَ إجرائيَّةً من خلال التأثير على التابعين للتركيز على مستوياتٍ عليا من الأهداف بدلًا من مجرد الوصول لمستويات الأداء المتوقَّعَة. وقد طوَّر (Bass (1985 وزملاؤه (Bass and Avolio ( 1997 إطارَ القيادةِ التحويليَّةِ والإجرائيَّةِ ليصبح الإنموذجَ التحويليَّ الأكثرَ استخدامًا في عصرنا الحالي.
ينبثقُ منظورُ الاندماج في العمل من علم النفس الإيجابيِّ، الذي يركزُ على الأداء الأمثل، والخبرة الإيجابيَّةِ، ونقاط القوة في العنصر البشريِّ بدلًا من القصور والضعف الوظيفيِّ (Schaufeli et al., 2002). وكما ناقشَ كلٌّ من (Bakker and Schaufeli ( 2008، فإنَّ إدراك الجوانب الإيجابيَّةِ في العمل أمرٌ بالغُ الأهميَّةِ؛ وذلك لحاجةِ المنظَّماتِ للموظفين الذين يتميَّزون بالنشاط، والتفاني، والانغماس في العمل.
والاندماجُ في العمل هي حالةٌ مرغوبٌ فيها؛ لما لها من آثار بالنسبة للموظفين. وعلى المستوى الفرديِّ، يتمتَّعُ الموظف المندمِج في عملِه بصحةٍ جيدةٍ وتأثير إيجابيٍّ في العمل (Demerouti et al.,2001)، وقد تبيَّن من خلال الدراساتِ السابقة إمكانيَّةُ تعزيز الاندماج في العمل من خلال سلوك القيادةِ التحويليَّةِ (e.g Breevaart et al., 2014; 2016; Kovjanic et al.,2013; Ghadi et al., 2013; Hansen et al, 2014; Hayati et al., 2014). ويتكون إطارُ القيادة التحويليَّة من أربعة عناصر فريدة من نوعها، ولكنها مترابطةُ المكوناتِ السلوكيَّةِ: التأثير المثاليّ، التحفيز الإلهاميّ، الاستثارة الفكريَّة، والاعتبارات الفرديَّة.
يمثِّلُ بُعد التأثير المثاليِّ من القيادةِ التحويليَّة الجاذبيَّةَ الشخصيَّةَ للقائد، ويمكن أنْ تبرزَ من خلال السِّماتِ أو السلوكياتِ التي يمارسُها القائدُ، والتي من المرجَّح أنْ تُسهِم في تعزيز الالتزام العاطفيِّ للتابعين (Antonakis, 2011). القائد التحويليّ الذي يُظهِرُ التأثيرَ المثاليَّ يُلهِمُ التابعين لتبَنّي أهدافِ ورؤية القائد والتركيز عليها. وفقًا (Bass (1998 يؤثِّرُ القائد التحويليُّ على التابعين للتركيز على هذه الأهداف؛ وذلك بمناشَدةِ الاحتياجاتِ العليا للتابعين مثل: الحاجة للإنجاز، السُّلطة، أو الانتماء. وينظُر التابعون للقائد التحويليِّ الذي يُظهِرُ سلوكَ التأثير المثاليِّ كقدوةٍ، حيث يحدِّدُ الرؤيةَ والأهدافَ والقيمَ التي يعتنقُها التابعون. ولدى القادة التحويليين القدرةُ على التواصل بأسلوب يشجع التابعين على الارتباط العاطفيِّ والاندماج معهم (Walumbwa and Hartnell, 2011).
          لجاذبيَّة القيادة تأثير إيجابيٌّ على المرؤوسين، وتحويل انتباه التابعين من التركيز على الأهداف الذاتيَّة إلى التركيز على الأهدافِ التنظيميَّةِ (Yorges, Weiss, and Strickland, 1999). ونتيجة لذلك، يصبح المرؤوسون أكثرَ استثمارًا في رؤية قائدِهم، وعلى استعداد لبذل أقصى جهدٍ للوصول إلى تلك الرؤيةِ (House and Howell, 1992). عندما يؤسّس القادةُ أنفسَهم كقدوةٍ للتابعين؛ فإنَّ ذلك سوف يعزّز شعورَ التابعين بالقيم والمساهمة، ونتيجة لذلك، يزيد من اندماجهم الكليِّ في العمل.
لا يختلفُ سلوكُ الحفز الإلهاميِّ كثيرًا عن بُعد التأثير المثاليِّ للقيادةِ التحويليَّةِ، حيث يعزِّزُ سلوك الحفز الإلهاميّ للقائد من مستوياتِ الالتزام العاطفيِّ للتابعين، ولكن مع التركيز بوجهٍ خاصٍّ على الأهداف. يحدِّدُ القائدُ الذي يُظهِرُ سلوكُ التحفيز الإلهاميِّ أهدافًا طموحةً، ويُعرِبُ عن ثقته في إمكانياتِ التابعين لتحقيق هذه الأهداف (Bass, 1985). يستخدِمُ القائدُ الذي يَتبنى سلوك التحفيز الإلهاميِّ النداءاتِ العاطفيَّة، وتحديد أهدافٍ طموحة، والتحدُّث بتركيز، والتواصل بشكل لا لبسَ فيه؛ وذلك للتأكيد على قدرة التابعين لتحقيق تلك الأهداف الطموحة (Antonakis, 2011).
من خلال تبنّي القائدِ لسلوك الحفز الإلهاميِّ يخلُقُ القائدُ رؤيةً للمستقبل لجذْب المرؤوسين ودمْجهم ليصبحوا جزءًا رئيسًا من المنظَّمة (Piccolo and Colquitt, 2006) ويمتلكُ القائدُ الملهَمُ القدرةَ على بناء وإيصال التصوراتِ العالية التي تتحدى وتلهمُ المرؤوسين للسعى لتحقيق نتائج أعلى ممّا يتوقَّعونَ (Bass and Riggio, 2006). ومن خلال نتائج دراسة (Walumbwa and Hartnell ( 2011 يتضحُ أنَّ بُعد الحفز الالهاميِّ للقيادة التحويليَّة يعزِّزُ مستوى اندماج العاملين؛ وذلك من خلال زيادةِ مشاعر الفاعليَّةِ الذاتيةِ؛ وذلك للسعي نحو تحقيق الأهداف التي تتحلّى بدرجة عالية من الصعوبة. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمَل أنْ يعززَ الحفز الإلهاميُّ للقائد من مستوياتِ الاندماج المعرفيِّ والسلوكيِّ من خلال التواصل والاقتداء بالقائد؛ وذلك للسعي للعمل نحو تحقيق الأهداف التي تُشكِّلُ تحدِّيًا.
في حين تُناشِدُ سلوكياتُ التأثير المثاليِّ والتحفيز الإلهاميِّ مستوياتِ الالتزام العاطفيِّ للتابعين، يُناشِدُ بُعد الاستثارة الفكريَّةِ للقيادة التحويليَّةِ التوقُّعاتِ العقلانيَّةَ للتابعين المرتبطة بأهداف العمل ومهامِّه ومشاكلِه. من خلال الاستثارة الفكريَّة، يعززُ القائدُ التحويليُّ التفكيرَ الإبداعيَّ للتابعين من خلال إطلاق طاقاتهم للتفكير في حلِّ المشكلاتِ التقليديَّة بطرائقَ إبداعيَّةٍ (Bass and Avolio, 1997). وعلاوة على ذلك، يمكن القولُ بأنَّ القائدَ الذي يتحلَّى بسلوك الاستثارة الفكريَّة يُسهِم في بناء وتطوير مناخ تنظيميٍّ داعم (Avolio and Bass ( 2002 والذي يمكن أنْ يلعبَ دورًا مُهِمًّا في تطوير شعور الموظفين بالاندماج في العمل. من خلال هذا السلوك، يحفز القائدُ جهودَ التابعين ليكونوا أكثرَ إبداعًا فى حلِّ المشكلاتِ من خلال طرْح الأسئلة حول الافتراضاتِ القديمة، وحلُّ المشكلاتِ يعتمِدُ على طرْح وجهاتِ نظر جديدة (Bass and Bass, 2008).
يتضمَّنُ البُعد الرابع للقيادة التحويليَّةِ، الاعتباراتِ الفرديَّةَ، حيث يتبنّى القائدُ العلاقةَ الشخصيَّةَ مع التابعين؛ وذلك من خلال تعرُّف احتياجاتهم، وأهدافهم، ومصالحهم والاستجابة وفقًا لذلك (Bass, 1985). عندما يُظهِرُ القائدُ اهتمامًا حقيقيًّا ورعايةً واهتمامًا لكلِّ فرد من التابعين، فإنهم من المحتمَل أنْ يكونوا أكثرَ عُرضةً لتحفيز العلاقة الإيجابيَّة بين القائد والتابعين؛ وذلك يُحسِّنُ شعورَهم بالانتماء للمنظَّمة (Zhu et al., 2009). ونتيجة لتعزيز شعورهم بالانتماء، فإنَّ الوسيلة الممكنة للموظفين للردِّ على هذه الرعايةِ والاهتمام تكونُ من خلال بذْل أقصى جهدٍ في عملِهم. ويعتقد أنه إذا ما وفَّر القائدُ المواردَ الشخصيَّةَ الضروريَّةَ للتابعين (مثل: الرعاية، الاهتمام، الاحترام)، فمن المرجَّح أنْ يشعر التابعون بأنَّ مناخ العمل داعمٌ لهم؛ وهذا بدوره يساعِدُ على خلْق شعور بالالتزام الإيجابيِّ لهذا الدَّعم. ويجادل (Saks (2006 في أنَّ المعاملة بالمِثل يمكنُ أنْ تكون شكلًا من أشكال السلوكياتِ المرغوبة مثل الاندماج في العمل.
وقد دعمَت نتائجُ الدراساتِ السابقةِ العلاقاتِ الإيجابيَّةَ بين سلوكياتِ القيادة التحويليَّةِ والاندماج في العمل (e.g., Zhu, Avolio, and Walumbwa, 2009; Tims et al., 2011; Wefald, Rechard and Serrano, 20011; Salanova, Lorenta et al., 2011; Aryee and Walumbwa, 2012; Song et al., 2012). وباختصار، فقد قدَّمَت الدراساتُ السابقةُ باستخدام مناهج بحثٍ متنوعةٍ أدلةً تربطُ القيادةَ التحويليَّةَ بزيادة الاندماج في العمل للتابعين