تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

سلمى بنت محمد بن بكر هوساوي

Professor

أستاذ/ عضو هيئة تدريس

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
جامعة الملك سعود
مدونة

غربة ولكن ؟

الغربة:

   طفلة في عمر السابعة تعيش مع والديها وأخوتها كانت الأكبر بينهم هدوء استقرار حب ألفة إلى جانب شدة تعلقها بوالدتها،إلا أن الأيام الجميلة لا تدوم طويلاً،فجأة مرضت الأم وفي ظرف أسبوع توفيت وعم الحزن أرجاء البيت، وقبل وفاة الأم تركت وصية لإبنتها وهي على فراش الموت(إبنتي الغالية أود أن أراكِ في المستقبل أبلة(معلمة)أو دكتورة) بهذه الكلمات لفظت الأم أنفاسها الأخيرة.

   نعم توفيت أمي منذ زمن بعيد ولكنها تعيش بداخلي أشعر بها وأتحدث إليها لذلك لا مكان للغربة في حياتي مهما سافرت ومهما تغربت أعمل بكل جد من أجل تحقيق حلم أمي وأنا على الدرب سائرة.

   إن إنتقالي من مكة المكرمة إلى العاصمة الرياض نقطة تحول كبيرة في حياتي ومن أجمل ماحصل لي،حيث أنني تعلمت واستفدت ورأيت الكثير ومررت بتجارب كثيرة والتقيت العديد من الأساتذة في جامعة الملك سعود كنت فقط أقرأ في كتبهم ومقابلتهم كانت مجرد حلم بالنسبة لي.

   تأقلمت بحياتي الجديدة في الرياض وألفت المكان لاني قصد بعلمي وجه الله الكريم وكونت الكثير من الصديقات إذن أين الغربة؟نعم أشتاق لأهلي ولصديقاتي إلا أنني لا أجد للغربة مكان في حياتي لاني قصدت بعلمي وجه الله الكريم قال صلى الله عليه وسلم)ومن خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع).

   وبعد عام ونصف في العاصمة الرياض انتقلت إلى أمريكا الشمالية وتحديداً دولة كندا من أجل دراسة اللغة الانجليزية هنا نقلة جديدة وتجارب رائعة وأجمل من سابقتها.

   نعم اختلف المكان واختلف الناس واختلفت العادات والتقاليد وهنا تكمن الصعوبة إلا أنني لم أشعر بأي غربة لأنني قصدت من هذه التجربة التقدم والاستمرار والوصول إلى أعلى مراتب التفوق والنجاح.

   على كل حال متى ما سمح الإنسان للغربة أن تؤثر على نفسيته لم يستطيع إنجاز أي شيء ولا التقدم ووقف مكانه ساكناً.

   نعم كونت صداقات في دولة كندا ولكنها مختلفة تماما عن سابقتها كانت تجربة أقوى وأعمق وأجمل ومن مختلف الدول على سبيل المثال من اليابان وكوريا الجنوبية وفنزويلا والمكسيك والبرازيل والهند وتركيا وإيران تعلمت من كل شخصية أشياء كثيرة ومختلفة أثرت وتأثرت ولكن بأفضل وإلى الأفضل.

   غير أن ظروفي في كندا اختلفت فلقد فقدت والدي وكانت صدمة قوية حيث لم يتسنى لي العودة إلى المملكة العربية السعودية وتوديعه الى الدار الآخرة، ومن بعده فقدت طفلي جعله الله طير من طيور الجنة ومع ذلك استمريت في الضحك ومواصلة دراستي رغم كل الظروف الغير جيدة وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل صديقاتي وأساتذتي من مختلف الدول والذين كانوا معي في أغلب الأوقات الى أن تحسنت نفسيتي ولا أنسى دور صديقاتي السعوديات في كندا والذين كانوا على تواصل معي فكيف أشعر بالغربة وأنا أملك كنز من الصديقات الوفيات.

تمنيت أن أكتب أكثر وأكثر ولكن هذه الصفحات القليلة لاتكفيني.

   نعم أشتاق لأناس تركتهم في كندا ومن مختلف الدول حرصت على ترك صورة جيدة وإنطباع رائع لهم لأنني أعلم جيداً ربما هذا هو اللقاء الوحيد فقط ولا لقاء آخر معاهم إلا إذا جمعنا الله في دار الاخرة، فقد تركت لهم الكثير من الذكريات الجميلة واصطحبت معي الكثير من الذكريات الجميلة التي جمعتنا سوياً.

ملاحظة انتيمتي في كندا من دولة تركيا اسمها هريكاHarika

   ومن كندا وبعد عام ونصف انتقلت للدراسة في انجلترا وحدث معي ما حدث في كندا إلا أن هذه التجربة أجمل حيث سكنت مع عائلة بريطانيا شيء مو معقول لا أستطيع الحديث عنه من روعته،انتيماتي في لندن صوفي من كوريا الجنوبية ويوكي من اليابان.

وأخيراً الغربة غربة الروح وعدم التمسك بالمبادىء والقيم فالكثيرون من الأشخاص يعيشون داخل أوطانهم ولكنهم غرباء عمن حولهم والكثيرون أيضاً يعيشون مع أهاليهم وأصدقائهم ومع ذلك يشعرون بغربة شديدة فلا حوار مشترك يجمعهم ولا فكر ولا ألفة وكل واحد منهم يعيش لوحده ولنفسه وهناك من الأشخاص من يعيش غريب حتى مع نفسه.

نعم يا أمي أنت معي في كل مكان وزمان يا من كنتِ لي الصديقة والأخت، أراك في نعيم الآخرة لما كنتِ عليه من صلاح في الدنيا فأنتي نعم الأم الصالحة فلا أُصبر نفسي إلا بالدعاء بأن يجمعنا الله في مستقر رحمته وفي النعيم الأبدي.

 

Salma Hosawi