تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. سرحان بن دبيل العتيبي

Associate Professor

قسم العلوم السياسية

كلية الحقوق والعلوم السياسية
Building 14, 2nd. Floor, Office A85
مدونة

مقالات اقتصادية

تتحدث هذه الزاوية عن مجموعة من المقالات السياسية والاقتصادية التي كتبت في فترة ماضية، ونظراً لأهمية تلك المقالات أحببت أن يطلع عليها المتخصصون.

دول مجلس التعاون وضريبة الكربون (1)
(1) المقالة الأولى:
يثور الجدل بين الفينة والأخرى حول ما يسمى بـ " ضريبة الكربون " ونظراً إلى أن هذه الضريبة هي من المسائل التي تهم الدول المنتجة للبترول وعلى وجه الخصوص دول مجلس التعاون الخليجي بسبب ما تملكه من احتياطيات كبيرة من البترول وما تساهم به في تجارة البترول العالمية عليه سوف نستعرض وبشيء من التحليل العلمي والموضوعي بعض الأمور ذات العلاقة بهذه الضريبة وآثارها على الدول المنتجة للبترول وعلى دول مجلس التعاون بشكل خاص ، ومن ثم موقف دول المجلس من هذه الضريبة .

مقدمة :
ضريبة الكربون ، أو ما يطلق عليها أحياناً " ضريبة الطاقة " هي رسوم جمركية ذات قيمة متصاعدة تعتزم بعض الدول الصناعية الكبرى فرضها على وارداتها من البترول ومشتقاته . وتبدأ هذه الضريبة بثلاثة دولارات على البرميل الواحد من النفط عام 1993م لتصل إلى عشرة دولارات عام 2000م . ومع أن هذه الضريبة ما تزال مشروعاً لم يتم تنفيذه بعد إلا أنها أثارت جداً كبيراً في أوساط الدول المنتجة للبترول وبالأخص الدول ذات الإنتاج الكبير مثل دول الخليج العربي ، بل وأثارت جداً كذلك بين الدول الصناعية ، حيث أن هناك بعض الدول الصناعية ، مثل أسبانيا والبرتغال واليونان وايرلندا وكذلك كندا تعارض فرض ضريبة على الطاقة لأنها تعتقد أن فرض ضريبة على البترول سوف يضر بصناعاتها ، الأمر الذي يؤدي إلى عدم قدرة صناعة تلك الدول على المنافسة في السوق الدولية .
وقد تقدمت بهذا المشروع المجموعة الأوروبية على أن يفرض على جميع أنواع الطاقة غير المتجددة بدون تمييز وذلك على أساس محتواها الحراري والكربوني ، وقد استثنى الاقتراح مصادر الطاقة المتجددة ، مثل الطاقة الحرارية الجوفية ( ويقصد بها الحرارة المخزونة تحت سطح الأرض والتي تزداد مع زيادة العمق ) والطاقة المائية (الكهرومائية) وهي الطاقة المتولدة من الماء ، وكذلك الطاقة الشمسية ، والتي تعتبر أكثر مصادر الطاقة المعروفة وفرة . وحيث أن أنواع الطاقة المتجددة التي ذكرنا تتميز بعدد من المميزات ، منها على سبيل المثال لا الحصر أنها جميعا مصادر غير ناضبة ، وفي الوقت نفسه نظيفة نسبياً من حيث آثارها على البيئة ، بمعنى أنه لا تتولد عنها غازات أو عناصر ملوثة للبيئة كما لا يوجد مخلفات إنتاج ضارة ، كذلك سهولة تحويلها إلى معظم أشكال الطاقة الأخرى ، الأمر الذي يجعلها متعددة أوجه الاستخدام ، لهذه الأسباب وغيرها استثنت الدول الصناعية الطاقة المتجددة من ضريبة الكربون ، وقد يكون السبب في ذلك الاستثناء إلى أن الدول الصناعية لا زالت متفوقة في مجال الطاقة المتجددة ، على الرغم من توافرها في الدول النامية إلا أن ارتفاع التكاليف الإنشائية ( الرأسمالية ) وافتقار الدول النامية إلى التقنية اللازمة لاستغلال هذه الأنواع من الطاقة جعل الدول الصناعية تحكم السيطرة على هذا النوع من الطاقة .
قبل البحث في الأسباب التي أدت إلى فرض ضريبة الكربون على النقط ومشتقاته ، لابد لنا أن نعلم أن ضريبة الكربون هذه لم تكن الأولى التي فرضت على النفط ومشتقاته ولن تكون الأخيرة ، حيث أنه من المعروف أن النفط من أكثر السلع تعرضاً للضرائب التي تفرض عليه من الدول المستهلكة الرئيسية ، حيث نجدها وعلى مدى عقود من الزمن تقوم بفرض أنواع مختلفة من الرسوم وبأسماء ومستويات مختلفة وبشكل خاص على البترول المستورد وليس فرض أي نوع من الضرائب على البترول بغريب إلا أن المستغرب حقاً هو أن ضريبة الكربون اتخذت بعداً آخراً . لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى فرض ضريبة الكربون ، والمتتبع للسياسات الدولية ، الاقتصادية منها والسياسية يستطيع أن يستنتج أن هناك أسباباً معلنة وأسباباً مستترة لمحاولة فرض هذه الضريبة .

الأسباب المعلنة :
أما الأسباب المعلنة فتتمحور جميعها حول العامل البيئي حيث يلوح في الأفق عودة اهتمام دول العالم بالبيئة ، فبعد عشرين عاماً من انعقاد أول مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة في استوكهلم في عام 1972م ، استضافت ريو دي جانيرو في البرازيل " مؤتمر قمة الأرض " والذي يعتبر بحق أكبر اجتماع في التاريخ لزعماء العالم ، حيث ضم أكثر من مائة رئيس من رؤساء 185 دولة مشاركة ، وأكثر من عشرة آلاف عالم من علماء البيئة والتنمية وأعداد كبيرة من المهتمين بالبيئة ومنظمات دولية تهتم بالبيئة . وقد استعرض المؤتمر المخاطر الرئيسية التي تهدد البيئة وكذلك طرق معالجتها . واستعرض المؤتمر عوامل التدهور البيئي وخاصة في عالم الجنوب من تلوث الماء والهواء مروراً باستنزاف طبقة الأوزون إلى تراكم " غازات الدفيئة " في جو الأرض وبكميات لا مثيل لها منذ آلاف السنين . ومنذ ذلك الوقت بدأت الدول الصناعية باتخاذ تدابير اقتصادية وبيئية لانقاذ كوكب الأرض من الأخطار التي تزداد تراكماً يوماً بعد يوم . ولذلك فرضت الدول الصناعية ضريبة الكربون كعامل يستهدف حماية البيئة من التلوث ومع ازدياد الاهتمام العالمي وإحتمالات ارتفاع درجات حرارة الأرض نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري والذي يسببه إنبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون أحد غازات الاحتباس الحراري والناتج عن احتراق الوقود ، فقد تبنت الدول الصناعية سياسة الحد من استهلاك الوقود الذي يسبب انبعاث ثاني أوكسيد الكربون الكربون في الجو كوسيلة للحد من التلوث . هذه باختصار هي الأسباب المعلنة التي تتذرع بها الدول الغربية الصناعية التي اقترحت مشروع فرض ضريبة الكربون على البترول ومشتقاته . وقد نجحت الدول الصناعية إلى حد ما في الضرب على الوتر الحساس الذي يحرك مشاعر الناس ألا وهو تلوث البيئة ، وخاصة بعد ظهور كثير من الدراسات والبحوث التي تبين أن من مسببات ثقب الأوزون هو تلوث البيئة ، وتلوث البيئة هو من نتاج الكربون المنبعث من إحتراق البترول ومشتقاته ، هذه الدراسات والتقارير العلمية أصابت الناس بالفزع والخوف مما أدى إلى تقبل القرارات السياسية والاقتصادية بدون معارضة . وإذا كان هناك شيء من الصحة والمصداقية حول المبررات السابقة الذكر ، إلا أن هناك أسبابا مستترة قد تخفى على الكثيرين .

دول مجلس التعاون وضريبة الكربون (2)
(2) المقالة الثانية:
استعرضنا في المقالة السابقة أبعاد ضريبة الكربون Carbon Tax والتي تحاول المجموعة الأوروبية فرضها على وارداتها النفطية وذلك لمواجهة التلوث البيئي وإذا كانت الأضرار الناجمة من احتراق غاز ثاني أوكسيد الكربون وآثاره على البيئة هي الورقة التي ترفعها المجموعة الأوروبية في مواجهة الدول المنتجة للبترول لصبغ هذا القرار بصبغة إنسانية ، إلا أن هناك أبعاداً استراتيجية لعبت دوراً مهماً في سياسة فرض ضريبة الكربون .
يستند القرار الأوروبي في حيثياته على نظرية " التغير المناخي " Climate Change Theoryفي العالم وهي نظرية لم تتأكد بعد وتتمثل تلك النظرية في " أن إنبعاث ثاني أوكسيد الكربون في الجو هو المسؤول عن الارتفاع في درجة حرارة الغلاف الجوي للكرة الأرضية " . إذا صحت وثبتت هذه النظرية فهل يعني هذا أن غاز ثاني أوكسيد الكربون والمنبعث من إحتراق النفط هو وحده المسؤول عن تلك التغيرات في طبقة الغلاف الجوي ؟ بمعنى آخر ، هل البترول وحده مسؤولاً عن ركام الآثار السلبية التي لحقت بالبيئة ؟ من المعروف أن البترول والفحم الحجري وكذلك الغاز الطبيعي ، وهي ما يطلق عليها مجتمعة مصادر الوقود الاحفوري Fossil Fuel تمثل ما نسبته 85 % من الطاقة في العالم . وتؤكد بعض الدراسات أن ما ينبعث من ثاني أوكسيد الكربون من تلك المصادر الثلاثة يؤدي بلا شك إلى التأثير في درجة حرارة الجو بما يتراوح من 1.5 إلى 4.5 درجة مئوية خلال العشر السنوات القادمة . بمعنى إن هذا التغير لم يكن المسؤول عنه النفط وحده ، بل تشاركه فيه المصادر المماثلة الأخرى ، وأن الربط بين تلوث البيئة نتيجة لانبعاث غاز أوكسيد الكربون الناتج في أغلب الأحوال من احتراق الوقود الاحفوري وبين المنتجات البترولية هو ربط غير منطقي على الإطلاق . إذن ومن هذا المنطلق لماذا تتحيز ضريبة الكربون ضد النفط ، بينما المصادر الأخرى ، وبالذات الفحم ، والذي هو أشد خطراً على البيئة من النفط ، ويطلق بالإضافة إلى ثاني أوكسيد الكربون ، مواداً أخرى سامة ، لا يخضع لمثل تلك الضريبة ، بل ويتلقى دعماً مالياً في العديد من الدول الأوروبية المنتجة له . هذا الأمر يقودنا إلى أن الأسباب المعلنة من قبل الدول الأوروبية حول فرض ضريبة الكربون على النفط لم تكن الأسباب الحقيقية وراء فرض هذه الضريبة وأن التوقف عند الأسباب المعلنة قد يؤدي إلى تحليلات ومن ثم نتائج خاطئة ، على عكس لو تم التعرف على الأسباب المستترة من تلك الاستراتيجية . وعلينا أن نتلمس الدوافع الحقيقية غير المعلنة والتي تحويها الاجتماعات الجانبية والسرية لدول المجموعة الأوروبية وهي ما أطلقنا عليها الأسباب المستترة أو الخفية لتمييزها عن الأسباب المعلنة التي اتخذتها المجموعة الأوروبية مدخلاً رئيسياً وحجة لفرض ضريبة الكربون على المنتجات البترولية المستوردة .

الأسباب الخفية :
لا شك أن هناك مجموعة من الدوافع المختلفة غير المعلنة وراء فرض ضريبة الكربون ، وقد يكون من بينها المحافظة على البيئة من التلوث ، وقد يكون هذا السبب مدخلاً لتحقيق أهداف أخرى ، وفي كل الأحوال لا تخلو استراتيجية ضريبة الكربون من دوافع سياسية واقتصادية .
أولاً : الدوافع السياسية :
لقد جاءت ضريبة الكربون تتويجاً لسلسة من الإجراءات التي اتخذتها الدول الصناعية الأوروبية منذ منتصف السبعينات من هذا القرن ضد منظمة الدول المصدرة للبترول ( أوبيك ) وبالذات ضد الدول العربية المصدرة لنفط ، وخاصة منذ تحويل النفط من سلعة اقتصادية إلى سلعة إستراتيجية ذات تأثير في النظام الدولي وبالذات أثناء حرب أكتوبر عام 1973م ، نتيجة المقاطعة النفطية العربية للدول المساندة لإسرائيل في تلك الحرب ، بالإضافة إلى قرار منظمة ( أوبيك ) أخذ زمام المبادرة وزيادة أسعار النفط من جانب واحد دون استشارة الشركات المنتجة . وكان الهدف من هذه الاستراتيجية الغربية هو تحجيم دور البترول السياسي وكذلك خلق أوضاع اقتصادية واجتماعية في الدول المنتجة لكي تصبح الدول المنتجة للبترول أكثر اعتماداً على عائدات البترول ، مما جعل الدول المنتجة للبترول رهينة لعائدات البترول للإنفاق على مشاريع التسلح والأمن والالتزامات الاجتماعية والاقتصادية الكثيرة ، الأمر الذي جعل الدول المنتجة للبترول في أشد الحاجة لعائدات النفط أكثر من حاجة الدول المستهلكة له ، وحيث أن ضريبة الكربون سوف تصبح بحلول عام 2000م عشرة دولارات على كل برميل نفط ، وهذا العائد كان يدخل إلى إيرادات الدول المنتجة للبترول ، فلو بقيت أسعار البترول وأوضاعه على ما هي عليه في الوقت الراهن ، فإن قيمة الضريبة سوف تكون 50 % أو أكثر من سعر برميل النفط ، هذا إذا لم يحدث إنهيار للأسعار خلال هذه الفترة ، وهذه استراتيجية تقود إلى امتصاص الفائض النقدي الموجود لدى الدول البترولية ، وخاصة دول الخليج ، وكذلك تفريغ السلعة من قيمتها الاستراتيجية ، وخاصة في حالة استثمار هذه الموال الهائلة في البحث عن بدائل للنفط بهدف تقليل الاعتماد عليه كمصدر رئيسي للوقود ، الأمر الذي يؤدي إلى السيطرة على سلوكيات ومقدرات واستراتيجيات الدول المنتجة للبترول ومن ثم ضرب برامج التنمية في هذه الدول .

ثانياً: الدوافع الاقتصادية:
بالإضافة إلى الأسباب السياسية السابقة نستطيع أن نقول أن ضريبة الكربون لها أبعاداً استراتيجية اقتصادية ، حيث تعتزم الدول الصناعية استخدام عائدات ضريبة الكربون في خفض العجز المتنامي في الميزانيات الحكومية وذلك في إطار الخطط الاقتصادية التي وضعتها المجموعة الأوروبية لعلاج مشاكل الاقتصاد ، ونتيجة لهذه الخطط فإن ضريبة الكربون ستوفر للدول الصناعية مبالغ هائلة قدرت بحوالي 90 مليار دولار سنوياً ، ومن خلال هذا التوفير تستطيع الدول الصناعية أن تستمر في تمويل برامج البحث عن بدائل للبترول كمصدر للطاقة . وهذا ما تسعى إلى تحقيقه الدول المستهلكة ، حيث تحاول ومنذ سنوات عديدة تقليل الاعتماد على النفط المستورد بل والحصول عليه بأقل الأسعار ما أمكن ذلك ، وهذه الاستراتيجية الاقتصادية سوف تؤدي إلى أن الطلب على البترول ، ونتيجة لضريبة الكربون ، سينخفض وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض الأسعار ، طبقاً لنظرية العرض والطلب ، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع في دخل الدول المنتجة . وهذه السلسلة من التراجعات تفرض على الدول المنتجة زيادة إنتاجها لزيادة عائداتها المالية بهدف تمويل برامجها التنموية ، مما يؤدي إلى زيادة إنتاجها لزيادة عائداتها المالية بهدف تمويل برامجها التنموية ، مما يؤدي إلى زيادة عرض البترول في الأسواق العالمية وبالتالي إلى انخفاض إضافي في أسعاره .
بعد هذا الاستعراض التحليلي لخلفية ضريبة الطاقة والدوافع المختلفة المعلنة والمستترة نستطيع أن نتساءل ما هي آثار ضريبة الكربون على الدول المنتجة للبترول وبالذات على الدول الخليجية ؟ وهذا هو موضوع الحلقة القادمة من هذه المقالة .

آثار ضريبة الكربون على اقتصاديات دول المجلس
 

(3) المقالة الثالثة:
لا شك أن البترول يمثل العمود الفقري لاقتصاديات الدول الخليجية وعلى هذا الأساس فإن تأثير فرض ضريبة الكربون سيكون كبيراً :

  1. انخفاض الطلب على النفط وبالتالي انخفاض عوائد النفط وعجز في ميزان المدفوعات .
  2. زيادة أسعار الواردات من الدول الصناعية كنتيجة مباشرة لزيادة مستويات أسعار النفط .
  3. سوف يفقد النفط قدرته التنافسية مع مصادر الطاقة الأخرى ، خصوصاً الغاز مما سينتج عنه استبدال النفط بمصادر طاقة بديلة أقل تكلفة .
  4. انخفاض إيرادات الدول المنتجة للبترول نتيجة تقليل الطلب عليه .
  5. سيكون التأثير شديداً على الدول التي يمثل دخل صادرات البترول بالنسبة لها نسبة كبيرة من دخلها القومي مما يؤدي إلى تدهور مشروعاتها التنموية والعجز في الميزان التجاري ، وقد تلجأ إلى الاستدانة الأمر الذي يؤدي إلى السيطرة عليها سياسياً واقتصادياً .
  6. السحب من الأرصدة الاحتياطية والاقتراض من الأسواق الدولية لسد العجز في ميزان المدفوعات وتأخير بعض المشروعات التنموية التي تؤثر على مسار التنمية وعلى الانتعاش الاقتصادي .
  7. انخفاض دخل الفرد في الدول الخليجية وقد تضطر الدول الخليجية إلى فرض رسوم جديدة على بعض المرافق والخدمات المعفية من الرسوم .
  8. عجز الدول الخليجية عن تقديم مساعدات اقتصادية للدول العربية والإسلامية مما سيؤثر سلباً على التنمية في تلك الدول .
  9. انخفاض في الناتج القومي الإجمالي لدول الخليج مما سيؤثر على النمو الاقتصادي وسيتسبب في ركود اقتصادي .

ما العمل إذن لمواجهة هذه الضريبة ؟
هناك مجموعة من البدائل :

  1. رفع أسعار البترول لتعويض خسائرها من جراء انخفاض كمية البترول .
  2. معاملة الواردات من البلدان التي تطبق ضريبة الكربون بالمثل ، وذلك بفرض ضرائب مماثلة وموازية لضريبة الطاقة على تلك الواردات .
  3. ترشيد الانفاق الحكومي بشكل مركز تفادياً للهدر في النفقات غير الضرورية وتوفير أجواء الثقة والاطمئنان للقطاع الخاص في البلدان الخليجية للمشاركة في النشاط والإنتاج الاقتصادي .
  4. إنتهاج أسلوب الحوار مع الدول المستهلكة لإظهار الآثار السلبية على النمو الاقتصادي العالمي وعدم اتخاذ سياسات أو إجراءات صارمة قد تؤدي إلى توتر العلاقات التجارية القائمة بين الطرفين .
  5. تحريك الشركات الأجنبية العاملة في الدول المنتجة وذلك لمباشرة الضغط على حكوماتها للعدول عن سياساتها التمييزية ضد النفط .
  6. إتباع سياسة التكيف والتي تعني التمشي مع الأمر الواقع في أسواق الطاقة العالمية ، كأن نتحول إلى إنتاج الطاقة البديلة المرغوبة من قبل الدول المستهلكة (الغاز على سبيل المثال) .

في النهاية لا زال موقف دول مجلس التعاون ا لخليجي من هذه الضريبة موقفاً متوازناً . فهو يسعى إلى التوصل إلى سياسات متوازية وغير تمييزية لحماية البيئة وفي الوقت نفسه عدم إلحاق الضرر بالدول المنتجة للنفط والدول النامية والاقتصاد العالمي ومرة أخرى يتحقق كل ذلك بواسطة الحوار .

دول مجلس التعاون وضريبة الكربون (4)
(4) المقالة الرابعة:
توصلنا في تعليلاتنا في الأسابيع الماضية إلى معرفة الأسباب المعلنة والأسباب الخفية وراء فرض ضريبة الكربون على الواردات الأوروبية من البترول ، وأن الأسباب المعلنة تختلف في واقع الأمر عن الأسباب الخفية والمتمثلة في أسباب سياسية وأسباب اقتصادية ، والتي تعتبر في نظر الكثير من المحللين أنها هي الأسباب الحقيقة التي دفعت المجموعة الأوروبية ومن بعدها الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض ضريبة الكربون على البترول المستورد . بعد هذا الاستعراض التفصيلي حول مسألة ضريبة الطاقة ، نستطيع أن نتساءل ، ما هي آثار ضريبة الكربون على الدول المنتجة للبترول وبالأخص أثارها على دول مجلس التعاون الخليجي ؟
لا شك أن البترول وعائداته يمثل العمود الفقري لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي حيث تعتمد بعض دول المجلس على ما نسبته 90 % من دخولها على عائدات البترول ، ولذلك نجد أنه من المتوقع أن تترك ضريبة الكربون آثاراً متفاوتة على اقتصاديات دول المجلس ، أي تختلف الآثار من دولة إلى أخرى ، إلا أن هناك تأثيرات سلبية للغاية وعامة على اقتصاديات دول المجلس نستعرض أهمها فيما يلي:
أولاً : انخفاض الطلب على النفط الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض في أسعاره وقد يؤدي ذلك إلى حرب أسعار بين الدول المنتجة ، وهذا سوف يؤدي إلى تدني إيرادات الدول المنتجة للنفط والذي بدوره يقود إلى عجز في ميزان المدفوعات لتلك الدول .
ثانياً : الزيادة الكبيرة في أسعار الواردات التي تستوردها الدول المنتجة من الدول الصناعية كنتيجة مباشرة لزيادة التكاليف التي تفرض على النفط ومنها ضريبة الكربون .
ثالثاً : كنتيجة للرسوم العالية التي تفرض على النفط ومشتقاته سوف يفقد النفط قدرته التنافسية أمام مصادر الطاقة الأخرى ، الأمر الذي يؤدي إلى البحث عن طاقة بديلة للنفط تكون أقل تكلفة منه .
رابعاً : كما ذكرنا من أن ضريبة الكربون قد تترك آثاراً متفاوتة على اقتصاديات دول المجلس ، إلا أن تلك الآثار ستكون شديدة على الدول التي تمثل عائدات البترول نسبة كبيرة من دخلها القومي مما سيؤدي إلى تدهور مشروعاتها التنموية وكذلك العجز في ميزانها التجاري وقد يؤدي ذلك إلى تأخير بعض المشروعات التنموية التي تؤثر على مسار التنمية وعلى الانتعاش الاقتصادي .
خامساً : إن إنخفاض إيرادات الدول يؤدي إلى أن تقوم تلك الدول بالسحب من أرصدتها الاحتياطية أو الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية لسد العجز في ميزان مدفوعاتها الأمر الذي يؤدي إلى السيطرة الاقتصادية عليها ومن ثم السياسية .

سادساً : إن إنخفاض إيرادات الدول ، نتيجة لضريبة الكربون ، يؤدي بدوره إلى انخفاض دخل الفرد في الدول المنتجة الأمر الذي يضطرها إلى فرض رسوم على بعض المرافق والخدمات العامة المعفية حالياً من الرسوم .
سابعاً : انخفاض كبير في الناتج القومي الإجمالي مما قد يؤثر على النمو الاقتصادي في الدول المنتجة وقد يؤدي إلى ركود اقتصادي ، وقد يتعدى أثره الدولة نفسها إلى دول أخرى ، وذلك من خلال عجز الدول المنتجة للنفط عن تقديم المساعدات الاقتصادية للدول العربية والإسلامية مما سيؤثر على النمو الاقتصادي في تلك الدول المستقبلة للمساعدات .
هذه باختصار أهم الآثار المتوقعة من فرض ضريبة الكربون على المنتجات البترولية ومشتقاتها ، إذن ما العمل لمواجهة الآثار السلبية لهذه الضريبة ؟ مما لا شك فيه أن هناك مجموعة من البدائل التي قد تعوض أو تخفف من الآثار فرض ضريبة الكربون على البترول ومنتجاته ، وتتلخص هذه البدائل في العناصر التالية :
أولاً : أن تقوم الدول المنتجة للبترول بخفض الإنتاج الأمر الذي يؤدي إلى رفع أسعاره كتعويض للخسائر التي ستتكبدها الدول المنتجة للبترول نتيجة لهذه الضريبة .
ثانياً : معاملة الواردات من الدول التي تطبق ضريبة الكربون بالمثل ، وذلك بفرض ضرائب مماثلة وموازية لضريبة الكربون على تلك الواردات .
ثالثاً : أن تسلك الدول أسلوب الحوار البناء مع الدول المستهلكة للنفط والتي تفرض ضريبة الكربون وذلك من أجل توضيح الآثار السلبية على الدول المنتجة والدول المستهلكة وكذلك على النمو الاقتصادي العالمي .
رابعاً : استخدام الشركات الأجنبية العاملة في حقل النفط والصناعات النفطية في الدول المنتجة وكذلك الاستعانة بقوى الضغط في المجتمع الغربي المتضررة من ضريبة الكربون وتحريكها لمباشرة الضغوط على حكوماتها للتخلي عن سياساتها التمييزية ضد النفط .
خامساً : تطبيق سياسة ترشيد الانفاق الحكومي وذلك تفادياً للهدر في الانفاق غير الضروري مع توفير أجواء الثقة والدعم للقطاع الخاص في البلدان المنتجة للنفط وذلك للمساهمة في النشاط الاقتصادي لتخفيف العبء عن القطاع الحكومي .
سادساً : أن تقوم الدول المنتجة للنفط بالعمل على إيجاد استراتيجية جديدة تتمثل في تجارة منتجات النفط بدلاً من تجارة النفط كمادة خام .
سابعاً : إذا كان لابد من فرض ضريبة الكربون فإن على الدول المنتجة للنفط أن تتبع سياسة التكيف ، والتي يقصد بها قبول الأمر الواقع والتمشي معه في أسواق الطاقة العالمية ، كأن تتحول الدول إلى إنتاج الطاقة البديلة ( الغاز ) والتي تتوفر وبكميات كبيرة في منطقة الخليج .
مع توفر هذا الكم الهائل من البدائل إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي لا زالت تسعى إلى التوصل إلى سياسات متوازنة وغير تمييزية ، فبقدر ما تحاول أن تحافظ على مصالحها وثرواتها الوطنية ومصالح الدول النامية والاقتصاد العالمي بقدر ما تحاول الحفاظ على نظافة البيئة وعدم إلحاق الضرر بها ، وهذه هي سياسة دول مجلس التعاون وموقفها منذ طرح مشروع فرض ضريبة الكربون.

(5) المقالة الخامسة:
دول مجلس التعاون تكتفي ذاتياً من القمح
يعتبر الأمن الغذائي من أهم المسائل المطروحة للنقاشات في الوقت الراهن وخاصة بعد بروز الصراعات فيما بين الدول الأمر الذي قد يؤدي إلى اتخاذ بعض الدول التي تصدر المواد الغذائية سياسات تحد من تدفق تلك المواد الغذائية للمستهلكين في العالم وخاصة في الدول التي لا تنتج حاجاتها من المواد الغذائية الأولية . لذلك فقد بدأت دول مجلس التعاون الخليجي وبشكل خاص المملكة العربية السعودية بانتهاج استراتيجية غذائية فريدة ، وهي محاولة الاكتفاء الذاتي من المنتوجات الزراعية المحلية . وعلى هذا الأساس فقد احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث إجمالي إنتاجها من الدقيق والذي يشكل نسبة 76 % من إجمالي الإنتاج السنوي لدول مجلس التعاون الخليجي . ذكر ذلك تقرير لمنظمة الخليج للاستثمارات الصناعية حول أهمية وتطور صناعة وطحن الغلال في دول مجلس التعاون الخليجي . حيث أكد هذا التقرير أن عدد مطاحن الغلال العاملة في دول المجلس بلغ حتى العام الحالي 11 مطحناً بطاقة تصميمية سنوية 2.7 مليون طن دقيق . وأشار التقرير بأن تطور زراعة القمح في المملكة أدى إلى التكامل الزراعي والصناعي لهذه السلعة في المملكة وتنعكس ذلك على وارداتها من القمح التي تناقصت بصورة كبيرة حتى بلغت حوالي 121 ألف طن لأنواع خاصة من القمح عام 1991م مقابل صادراتها من القمح التي بلغت مليون طن للعام نفس . وذكر التقرير أن كل من دولة قطر والبحرين وعمان ودولة الإمارات العربية المتحدة تستورد جزء من حاجاتها من القمح السعودي مما يؤكد توجه هذه الدول للاستفادة من الإنتاج المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي . وأكد التقرير على أن الطاقات المتاحة حالياً من مطاحن الغلال تفي باحتياجات دول مجلس التعاون الخليجي من طحين القمح ولسنوات قادمة موضحاً أن معدل الاستهلاك لن يرتفع بأكثر من 2.5 % سنوياً حيث أن حجم الاستهلاك من دقيق القمح في دول المجلس بلغ عام 1991م حوالي 2.14 مليون طن وبمقارنة الناتج الفعلي مع الاستهلاك يتضح أن معدل الاكتفاء الذاتي مرتفع ويشكل نسبة 98 ى% حيث أن حجم الواردات لأنواع معينة من الدقيق لم يتعد نسبة 2 % فقط من الاستهلاك . وأشار التقرير إلى أن معظم دول العالم تهتم بتوفير المخزون الاستراتيجي من الحبوب والغلال تمشياً مع سياسة الأمن الغذائي بأبعاده الإنسانية والاقتصادية والسياسية مما يجعل صناعة طحن الغلال من الصناعات الاستراتيجية الهامة في أي دولة . وقد أكد التقرير أن أهمية صناعة طحن الغلال في توفير مخزون غذائي هام في دول مجلس التعاون الخليجي قد تحققن بوصول هذه الصناعة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي . وتوقعت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية أن تنتقل دول المجلس إلى مرحلة التصدير في العام المقبل.

(6) المقالة السادسة:
منطقة الخليج العربي مكمن للطاقة
منطقة الخليج العربي من المناطق التي حباها الله سبحانه وتعالى بجميع الثروات المعروف منها وغير المعروف ، الناضب والمتجدد . يرقد تحت أرضها جميع مصادر الطاقة من بترول وغاز بالإضافة إلى جميع المعادن المختلفة . فعندما اكتشف البترول وبكميات كبيرة في المنطقة ، استخدمت دول مجلس التعاون ثرواتها البترولية في تحقيق إنجازاتها التنموية في مجال الزراعة والصناعة والخدمات العامة وكذلك في تنمية الإنسان باعتباره الأداة الرئيسية في عملية التنمية . ومع بداية أفول البترول ، والتي لابد منها نظراً إلى أن البترول من المصادر الناضبة ، أصبحت المنطقة تختزن كميات هائلة من الغاز الذي يتوقع له أن يصبح المصدر البديل بعد البترول . ومع أن الغاز كذلك من المصادر الناضبة والتي لابد لها من نهاية ، إلا أن أهم مصادر الطاقة المتجددة (غير الناضب) بل وأصل معظم مصادر الطاقة تستقبلها أراضيها ، ألا وهي الطاقة الشمسية . حيث تستقبل المنطقة كميات كبيرة من الطاقة التي تصدر عن أشعة الشمس . وتحتوي أراضي دول مجلس التعاون الخليجي على إمكانيات تمنحها ميزة نسبية في إنتاج الطاقة الشمسية نظراً لتوافر الأراضي الصحراوية والمساحات الشاسعة التي تتطلبها الطاقة الشمسية . ومثال ذلك قيام المملكة العربية السعودية ببناء مدينة تعمل بالطاقة الشمسية في غرب مدينة الرياض تحت إشراف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية . حيث بدأ العمل في هذا المجمع العملاق (والذي يعتبر أكبر مجمع لتوليد الطاقة الشمسية في العالم) في سبتمبر من عام 1980م . إن تميز منطقة الخليج بهذه الميزات التي لا تتوفر في منطقة أخرى جعلها محط أنظار كثير من الدول الاستعمارية قديماً وحديثاً ، ولن تتوقف تلم الأطماع ما دامت تمتلك المنطقة تلك المصادر الاستراتيجية.

(7) المقالة السابعة:
مشاكل تعرقل تحقيق التكامل بين دول المجلس
لا شك أن الإنجازات التي تحققت على المستوى الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي هي إنجازات كبيرة بكل المقاييس في فترة زمنية قصيرة . ومع هذا ما زال هناك الكثير من المهام الواجب إنجازها لتحقيق التكامل الخليجي والذي سيؤدي إلى تهيئة المناخ لمراحل متقدمة من التكامل المشترك . وحيث أن التأخير في عدم تحقيق الأهداف المشتركة المطروحة سوف يؤدي إلى البدء في تكريس الاستقلالية الإنمائية للدول الأعضاء على حساب التكامل فيما بين الدول الأعضاء . وعلى الرغم من التفاؤل السائد في الساحة الاقتصادية الخليجية لتحقيق ما تبقى من الأهداف الاقتصادية إلا أن هناك بعض المشاكل التي تعترض تنفيذ عدد كبير من أحكام الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وذلك في المجالين التنظيمي والتطبيقي . وحول هذه المعوقات قامت الغرفة التجارية الصناعية بالرياض بإعداد ورقة عمل حول المشاكل التي تواجه العمل المشترك ، قدمت للقاء السنوي السابع لجمعية الاقتصاد السعودية المنعقد في الفترة من 8 إلى 10 من شهر يونيو الماضي 1993م في جامعة الملك سعود بالرياض ، نستعرض هنا أهم ملامح تلك المعوقات :
أولاً : في المجال التنظيمي :
1 – تأخر الاتفاق على التعرفة الجمركية الموحدة : حدد في عام 1983م مدى للتعرفة الجمركية التزمت به دول مجلس التعاون وتراوح هذا المدى ما بين 4 % كحد أدنى و20 % كحد أقصى كما حددت الاتفاقية الاقتصادية الموحدة مدة خمس سنوات للاتفاق على تعريفة موحدة وتنفيذها ، إلا أن هذه المدة قد جددت ثلاث مرات دون الوصول إلى اتفاق على تعرفة موحدة مما أفسح المجال أمام تباين أثر المبادلات التجارية مع العالم الخارجي على الاقتصاديات الخليجية وأعطى الفرصة للدول الخليجية التي تطبق تعريفة جمركية أقل لزيادة ارتباطها مع السوق العالمية على حساب تكاملها مع الدول الخليجية التي تطبق تعريفة جمركية أعلى .
2 – تأخر البدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصدار عملة خليجية موحدة : لم تحدد أسعار الصرف بين عملات دول مجلس التعاون بما يعكس أوزانها النسبية في العملة الخليجية الموحدة على الرغم مما أظهرت أزمة الخليج من أهمية البدء في اتخاذ هذه الإجراءات حماية للقيمة التبادلية للعملات الخليجية .
3 – عدم الاتفاق على تعريف محدد للقيمة المضافة المحلية لإكساب المنتج الصناعي صفة المنشأ الوطني عند إعفاء المنتجات ذات المنشأ الوطني من الرسوم الجمركية ، حصر إصدار شهادات المنشأ بالجهات الرسمية وترك لها تعريف القيمة المضافة الداخلة في حساب الـ 40 % المطلوب توافرها لحصول السلعة على الإعفاء ، إلا أنه تمت مراجعة هذا الأسلوب في وقت لاحق واتفق على تعريف محدد للقيمة المضافة يتم بموجبه حساب المكونات الأجنبية الداخلة بالإنتاج وتخصم من مجموع قيمة السلعة .
4 – تضارب بعض التشريعات والنظم المتعلقة بالنشاط الاقتصادي بدول المجلس مع بعض بنود الاتفاقية . وهذا يحتاج إلى إصدار تشريع داخلي لكل دولة تتبنى بموجبه القرارات الجديدة ، ولكن تبدأ المشكلة عندما تتأخر بعض الدول في إصدار التشريع الداخلي لاعتبارات تقدرها الدولة أو لمعضلات دستورية تتعلق بالدولة نفسها .
5 – عدم إلزامية القوانين التي تصدر عن المجلس في المجالات الاقتصادية : يتم إقرار بعض القوانين بصفة استرشادية ، ويؤدي وجود هذه الصفة إلى ضياع الجهد والوقت دون تحقيق النتيجة المطلوبة طالما لم تثمر عملاً ملزماً ، فمشروع القانون يمر عبر مراحل كثيرة ومجهدة يتعرض خلالها للتنقيح والتعديل وقد تستغرق هذه المراحل عدة سنوات ولا يصبح بعد ذلك ملزماً .
6 – محدودية عدد المواصفات القياسية الخليجية : حيث انه بالرغم من إنشاء الهيئة الخليجية للمواصفات والمقاييس منذ فترة طويلة إلا أنها لم تعتمد سوى 107 مواصفة فقط حتى عام 1992م مما يحد من تدفق وانسياب البضائع الخليجية للخارج ، كما يحد من انطلاقة الإنتاج المحلي في سد الاحتياجات الخليجية .
7 – اختلاف السياسات الخاصة بالحوافز والمميزات التي تعطي للقطاع الخاص على المستوى الخليجي . وهذا من شأنه خلق جو من المنافسة غير العادلة بين المستثمرين الخليجيين خاصة وأن هناك تفاوتاً كبيراً في بعض المزايا وأن بعض الدول الأعضاء لا تساوي حتى الآن بين مواطني دول المجلس في التمتع بالمزايا التي تمنحها لمواطنيها .
ثانياً : في المجال التطبيقي :
1 – تعنت بعض موظفي المعبر أو استسهالهم عملية منع السلع من الدخول فلعل عدم الاتفاق على تعريف مقبول لعناصر القيمة المضافة تركت للمسؤولين عن المعابر والحدود سلطة تقديرية مطلقة في إعفاء أو عدم إعفاء المنتجات ذات المنشأ الوطني من الرسوم الجمركية .
2 – زيادة التعقيدات والإجراءات الروتينية في مجال حرية الانتقال وأبسط مثل على ذلك الإجراءات التي يتعرض لها العابرون على جسر الملك فهد من المملكة إلى البحرين والعكس ، حيث يستوجب على سائق المركبة أن يتوقف عند خمس نقاط على الأقل في كل دولة .
3 – عدم وجود جهاز للمتابعة والرقابة على تنفيذ بنود الاتفاقية الاقتصادية الموحدة : حيث أن تفسير كل دولة لبنود الاتفاقية كما يتراءى لها يؤدي إلى وجود بعض المشاكل والقضايا المعلقة بين الدول الأعضاء بسبب اختلاف التفسيرات .
4 – صعوبة الالتزام ببعض القيود التي وردت في قواعد تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية ، كشرط الإقامة لممارسة بعض المهن أو الأنشطة الاقتصادية الذي أدى إلى إحجام بعض الخليجيين عن طلب الترخيص لهم بممارسة تلك المهن أو الأنشطة .
5 – اشتراط مساهمة مواطني الدولة المضيفة في بعض الأنشطة التي تكون على أساس شركة تمثل عائقاً آخر يحد من إقبال الخليجيين على التوسع في تكوين الشركات .
6 – أدى وجود مناطق حرة في بعض دول المجلس إلى تداخل أعمال هذه المناطق مع الأعمال التي يفترض أنها في نطاق الاقتصاد الداخلي للدولة مما يوجد إرباكاً عند تحديد ما هو ذو منشأ وطني وما هو غير ذلك .
7 – أحياناً ترسل بعض دول المجلس مندوبين غير مختصين لمناقشة موضوعات حيوية مما يسبب إعاقة النقاش وتعطيله .
8 – عدم واقعية الإجراءات المتعلقة بممارسة النشاط الاقتصادي في مجال تجارتي التجزئة والجملة بما في ذلك الوكالات التجارية ، وكمثال على ذلك قيام بلدية دبي بتحصيل رسوم عوائد البلدية من مواطني دول مجلس التعاون المرخص لهم بالعمل في دبي في تجارة التجزئة في حين أن مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة معفون من هذه العوائد.

(8) المقالة الثامنة:
السوق الخليجية المشتركة: الواقع و الطموحات
في ندوة " مجلس التعاون الخليجي بلا حواجز " التي عقدت في أبوظبي في شهر يونيو الماضي والتي نظمتها كل من : الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ، والأمانة العامة لاتحاد غرف دول المجلس واتحاد غرف التجارة والصناعة بدولة الإمارات العربية المتحدة ، وغرفة تجارة وصناعة أبو ظبي . قُدم مجموعة من أوراق العمل حول السوق الخليجية المشتركة من خلال الواقع والطموحات وحرية إنتقال الأفراد (مواطنين ومقيمين) بين دول المجلس ، وتوحيد السياسات المالية والنقدية بدول المجلس والسياسات والإجراءات الجمركية وأثرها على التجارة الخارجية والبينية لدول المجلس ، ونظم حماية وتشجيع المنتجات الوطنية والخليجية ودور قطاع النقل في تحقيق أهداف الاتفاقية الاقتصادية . وسوف نستعرض من خلال هذه الصفحة وعلى حلقات بعض أوراق العمل التي قدمت للندوة ونبدأها باستعراض ورقة الأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية ، الدكتور عبد الله القويز " السوق الخليجية المشتركة " الواقع والطموحات .
تبدأ الدراسة ببعض المقارنات بين الاقتصاد العالمي والاقتصاد الخليجي فتؤكد الدراسة أن هناك عدداً من المؤشرات الإيجابية التي يشهدها الواقع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي . من هذه المؤشرات أنه في الوقت الذي يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.2 % هذا العام ليرتفع إلى 3.4 % في العام القادم وفقاً للتقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي فإن دول المجلس ستشهد نمواً أكثر من ضعف هذا المعدل أو ما يقرب من 5 % ليزداد بنسبة أكبر في العام القادم نتيجة للتحسن في الاقتصاد العالمي وما قد يصحب ذلك من زيادة في الطلب على البترول . كذلك من تلك المؤشرات أن مستويات التضخم في الأسواق المحلية لدول المجلس عادة ما تكون مستوردة من الخارج نتيجة للانفتاح الاقتصادي ، إلا أن الكساد العالمي يدفع المنتجين والمصدرين الأجانب إلى البيع بأي ثمن لضمان استمرار مصانعهم في الإنتاج . لذا بقيت معدلات التضخم بدول المجلس منخفضة ، بل إن التنافس العالمي على أسواق دول المجلس تعدى المنتجات الصناعية إلى المنتجات الغذائية والزراعية ، حيث تباع هذه المنتجات في أسواق دول المجلس بأسعار تقل عن تكلفتها . ومن هذه المؤشرات كذلك أنه ورغم انخفاض أسعار صرف الدولار الأمر الذي أضر بدول المجلس حيث انخفضت عائداتها البترولية وزادت تكاليف وارداتها المقومة بالعملات الأخرى ، إلا أن ذلك أعطى الصناعة المحلية ميزة سعرية مكنتها من الحلول محل عدد من السلع المستوردة وشجعها على التصدير .
ثم يؤكد الدكتور عبد الله القويز في ورقته بان الهدف من إنشاء السوق الخليجية هو إذابة الفروقات والاختلاف في السياسات الاقتصادية الوطنية لتوحيد ودمج قوى العرض والطلب في الدول الأعضاء عن طريق التحرير الكامل للتجارة بالسلع والخدمات وعناصر الإنتاج . ومن هذا المنطلق تعتبر السوق المشتركة مرحلة متقدمة من مراحل التكامل الاقتصادي إذ تتطلب من الناحية النظرية ثلاث خطوات أساسية هي :
1 – إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات ذات المنشأ الوطني للدول الأعضاء أي إنشاء ما يسمى بمنطقة التجارة الحرة للاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير في الإنتاج والتي لا تتوفر لكل دولة على حده .
2 – توحيد الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية أو الوصول إلى مرحلة الاتحاد الجمركي .
3 – حرية حركة عناصر الإنتاج من عمل ورأسمال واستثمار .
في بداية هذا العام كلف مجلس التعاون الخليجي إحدى الشركات الاستشارية العالمية بدراسة تجربة مجلس التعاون في تطبيق منطقة التجارة الحرة حيث أكدت خلاصة تلك الدراسة أن دول المجلس اتخذت خطوات متدرجة منذ مارس 1983م أوصلتها إلى منطقة التجارة الحرة بأسرع مما تحقق في التجمعات الاقتصادية الأخرى .
ومع انه صاحب تنفيذ مرحلة التجارة الحرة عدد من العوامل السلبية في المجال الاقتصادي منها على سبيل المثال : الحرب العراقية الإيرانية ، التغيرات السلبية التي شهدتها السوق البترولية الدولية ، انتهاء فترة الطفرة الاقتصادية التي كان يقودها بناء الهياكل الأساسية ، وأخيراً انخفاض أسعار صرف الدولار الأمريكي الذي كانت تسعر به المادة الرئيسية التي تصدرها دول المجلس . إلا أن مقارنة أرقام التجارة البينية قبل الوصول على منطقة التجارة الحرة وبعدها تبين مدى أهمية هذه الخطوة ، فقد كان مجموع الواردات البينية في عام 1979م (2 بليون دولار) بينما أصبح في عام 1989م ( 3.1 بليون دولار ) .
كما تذهب هذه الدراسة إلى أن جميع الحواجز من حيث الرسوم قد أزيلت وأنه يمكن اعتبار الحواجز الأخرى غير الرسوم غير ذات أهمية بالنسبة للحجم الكلي للتبادل التجاري بين دول المجلس .ومع هذا فإنه لا ينبغي إغفال بعض العوائق الأخرى التي لا تزال قائمة بدرجات متفاوتة ، ومنها :
1 – عوائق طبيعية : تتمثل في المسافات الطويلة التي تفصل التجمعات السكانية المتباعدة .
2 – عوائق اقتصادية : حيث أن دول المجلس بسبب طبيعة صادراتها وتفضيل المستهلك ، لديها علاقات اقتصادية قوية مع الدول الصناعية الرئيسية ، أما علاقاتها فيما بينها فإنها محدودة نتيجة لتماثل منتجاتها وصغر قاعدتها الإنتاجية .
3 – عوائق مالية : وتتمثل في اختلاف الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية والمستويات المختلفة للحوافز واختلاف رسوم الموانئ .
4 – عوائق فنية : مثل المواصفات والمقاييس والتي أمكن التغلب على معظمها نتيجة إنشاء هيئة المواصفات والمقاييس لدول المجلس .
5 – عوائق إجرائية وإدارية : وتتضمن عدم الدقة في إصدار شهادات المنشأ وما يخلقه ذلك من مشاكل حول الإعفاء الجمركي ، وحصر الوكالات التجارية بالمواطنين ، وحماية الوكيل ، وأنظمة الشراء الحكومي ، وفحص البضائع على الحدود ، وتأجير الفسح الجمركي ، والمتطلبات الأمنية . وتعتبر هذه العوائق بعد إلغاء الرسوم الجمركية من أهم الأسباب التي تحد من زيادة التبادل بين دول المجلس وتطيل من انتظار البائع على الحدود مما يزيد من تفاقم العوائق الطبيعية.
كما تبين هذه الدراسة أن لمنطقة التجارة الحرة سمتين رئيسيتين : الأولى : هي أن الدول الأعضاء تحتفظ بسلطتها في وضع تعرفاتها الجمركية على السلع الأجنبية ، حيث أن اختلاف مستويات التعرفة على السلع الأجنبية يؤدي إلى تأثير سلبي على توظيف الموارد داخل المجموعة . غير أن المستويات المنخفضة للتعرفة الجمركية في جميع دول المجلس ومحدودية القاعدة الإنتاجية وإعفاء المواد الأولية ومتطلبات الصناعة من الرسوم الجمركية في جميع دول المجلس قلل إلى حد كبير من هذا التأثير. السمة الثانية لمنطقة التجارة الحرة هي أن الدول الأعضاء يجب أن تتفق على ضوابط محددة لقواعد المنشأ أي وضع تعريف دقيق للقيمة المضافة والتي تنص الاتفاقية الاقتصادية الموحدة على ألا تقل عن 40 % . ومن الناحية النظرية فإن مفهوم القيمة المضافة بسيط ووضاح ، فهو يمثل إجمالي ما يضاف في العملية الإنتاجية إلى ما يستخدم من سلع وخدمات من منشآت أخرى لإنتاج سلعة صناعية معينة ، أي أن القيمة المضافة هي ببساطة عوائد عوامل الإنتاج من عمالة وأرض ورأسمال وإدارة . أما من الناحية العملية فقد واجه ذلك عقبتان . الأولى : أن معظم العمليات الصناعية في دول المجلس كثيفة الاستخدام للمواد الخام المستوردة . والثانية : أنه نظراً لحداثة الصناعة تاريخياً في دول المجلس فإن قيمة المنتج النهائي في بعض الأحيان تفوق نطيرها خارج دول المجلس نتيجة انخفاض مستوى الأداء الإداري والتكنولوجي في بداية مراحل الإنتاج والاعتماد القوي على المواد الأجنبية وخاصة الوسيطة والنصف مصنعة .
وتشير الدراسة إلى أن إنشاء تجمع للتجارة الحرة هو إجراء مؤقت أو خطوة أولى للوصول إلى الاتحاد الجمركي . لذا فإن التعجيل بتوحيد التعرفة الجمركية على السلع الأجنبية وتوحيد الحماية يجعل قواعد المنشأ غير ضرورية حيث ينتهي الحافز للسلع الأجنبية لكي تتسلل من خلف الجدار الجمركي . فبمجرد توحيد التعرفة الجمركية على السلع الأجنبية واستيفاء الرسوم الموحدة عليها من أية نقطة جمارك في دول التجمع فإن هذه البضائع الأجنبية تحرك داخل التجمع بصرف النظر عن مصدرها . وتنتفي الحاجة لحساب القيمة المضافة إلا في الحالات التالية :
1 – عندما تكون هناك اتفاقية اقتصادية بين دول الاتحاد الجمركي ودولة أخرى أو مجموعة من الدول غير الأعضاء في التجمع كما لو تم اتفاق تجاري بين دول المجلس والجماعة الأوروبية .
2 – عندما يعطي النظام معاملة تفضيلية في الشراء الحكومي لمنتجات التجمع كما هو معمول به حالياً بدول المجلس .
3 – للأغراض الإحصائية أو تسجيل المحتويات على غلاف السلعة .
من الاستعراض السابق نستنتج أن الخطوة التالية من مراحل التكامل الاقتصادي في المجال التجاري على الأقل كما يؤكد الأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية هي الانتقال إلى الاتحاد الجمركي ، بمعنى آخر توحيد الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية ، وهذه الخطوة ضرورية لكي يستمر المجلس في اندفاعه ويحافظ على منجزاته ويتخلص من كثير من المشكلات التي نتجت عن منطقة التجارة الحرة والتي قد تقضي عليها إذا لم ينتقل المجلس إلى الخطوة التالية.

(9) المقالة التاسعة:
دور القطاع الخاص في التنمية
إن من أهم المناهج الحديثة لتصنيف الدول طبقاً لتطورها الاقتصادي وتقدمها التكنولوجي هو المنهج الذي يرتكز في تصنيفه على مدى ما تمتلك الدول من البنى الأساسية الصناعية . ونظراً لأن المنشآت الصناعية الوطنية ، صغيرة كانت أم كبيرة ، هي عنوان رقي الأمم وتطورها ، بل هي المقياس الذي يقاس به تقدم أي شعب سياسياً واقتصادياً وعلمياً بل وحضارياً ، فبقدر ما تحتضن الدول من مصانع ومنشآت صناعية في هذا العصر بالذات ، بقدر ما يقاس تطورها التكنولوجي والحضاري .
والصناعة الوطنية – وبالذات في الدول النامية – هي إحدى قنوات نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة صناعياً إلى الدول النامية ، وهذا في واقع الأمر اعترافاً بأهمية دور التكنولوجيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، لذلك نشاهد جهود الدول في تحسين مستواها التطوري ومن ثم مستواها التنموي من خلال تشجيع ودعم وحماية صناعتها الوطنية . وحيث أن الحالة هذه تختلف من الدول المتقدمة صناعياً والدول النامية والمتخلفة صناعياً ، ففي الأولى تقوم ركائز الصناعة الوطنية على استثمارات القطاع الخاص في الصناعة الوطنية ، بينما الوضع في الدول النامية يختلف في أن القطاع العام يعتبر الممول الرئيسي لتلك المنشآت الصناعية ، أما القطاع الخاص في تلك الدول يكاد ينعدم دوره في عملية التنمية الوطنية ، اللهم من بعض المساهمات الاستثمارية البسيطة .
ونظراً لأن هذه الحالة كما ذكرنا هي من خصائص الدول النامية ، ودول الخليج ليست استثناءاً من ذلك ، إلا أننا بدأنا نلحظ أنه وفي السنوات القليلة الماضية بدأ القطاع الخاص بتكريس الحضور والمساهمة في البناء الصناعي والتكنولوجي ، ومع مرور الأيام إزدادت نسبة مساهمة القطاع الخاص في إنشاء المشاريع والمصانع الإنتاجية . إيماناً منه بأهمية تحقيق الاستقلال التكنولوجي وتجاوز التبعية التكنولوجية للدول المتقدمة صناعياً . وكذلك المساهمة في تطوير اقتصاد دول الخليج العربي وتنويع قاعدته على المدى البعيد . وذلك من خلال اعتماد برامج مختلفة للتصنيع والتي بدورها توفر جانباً مهماً من الاحتياجات الاستهلاكية لدول الخليج العربية ، ومن ثم القدرة على المنافسة الداخلية والخارجية ، نظراً لما تتميز به برامج التصنيع في دول الخليج لم تتوفر لغيرها من المؤسسات الصناعية مثل الحوافز التي تقدمها الحكومات من حماية ودعم مادي ومعنوي من خلال مؤسسات التمويل المختلفة والانخفاض في سعر الطاقة وتوفر المواد الأولية اللازمة للصناعة وبأسعار معقولة .
عليه فإن هذه الزاوية من هذه الصفحة ستقوم أسبوعياً باستعراض نشاط أحد المصانع أو المؤسسات الإنتاجية في دول مجلس التعاون الخليجي . وتوضيح من خلال ذلك الاستعراض مكانة المؤسسة أو المصنع في النشاط الاقتصادي ، ونوعية الإنتاج وأهميته للمستهلك الخليجي ومدى نجاحه وبرامجه المستقبلية ومدى مساهمته في برامج التنمية للدول الخليجية ، بمعنى آخر ، سوف تركز هذه الزاوية على تقييم شامل لمؤسسات الصناعية في دول الخليج وأهمية استمراريتها من عدمه.
لذلك فإننا نتوقع تعاون الغرف الصناعية والتجارية لي دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك المنشآت الصناعية في إعطاء معلومات كاملة عن تلك المؤسسات الصناعية والخطط الصناعية التكاملية للدول الأعضاء وكذلك تقييم تلك الخطط من خلال ما تحقق من خط نمو اقتصادي اجتماعي مستقل للدول الأعضاء ، ومدى نجاح خطط عملية التصنيع الإحلالي (إحلال الإنتاج الوطني محل المستورد).

(10) المقالة العشرة:
توفير الحوافز و تهيئة المناخ الملائم أفضل الوسائل لجذب الاستثمارات الأجنبية
في ظل النظام الاقتصادي المعاصر أصبح النشاط الاستثماري أحد الظواهر الدولية ، ففي الوقت الحالي قلما تخلو دولة من دول العالم من مساهمة استثمارية أجنبية في نشاطاتها الاقتصادية . غير أن النشاطات الاستثمارية الأجنبية في أي دولة من دول العالم وكذلك توجهات المستثمرين لا تتم عادة بشكل عشوائي بل هي تخضع لعوامل موضوعية متعددة . أي أن إتخاذ القرار الاستثماري والتدفق الرأسمالي يتم وفقاً توفر الظروف الملائمة ، مثل توفر المناخ الاستثماري الملائم اقتصادياً وسياسياً ، وسهولة ةووضح الأنظمة والقوانين التي تنظم عمليات الاستثمار ، وتوفر التسهيلات الاستثمارية من خدمات أساسية وثانوية ، واخيراً توفير المؤسسات المساندة مثل مؤسسات التمويل والتأمين وغيرها . هذه هي أهم العوامل التي يجب توفرها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية كما تحدد ذلك ورقة العمل المقدمة من وزارة الصناعة والكهرباء في المملكة العربية السعودية لندوة " ترويج الاستثمار وتسويق المشاريع " والتي عقدت في دبي ، والتي نقتطف منها بعض العوامل التي ساعدت على جذب الاستثمارات المشتركة .
تعتبر المملكة العربية السعودية إحدى أبرز دول المنطقة حديثة النمو التي قطعت شوطاً في استقبال واستيعاب موجات متتالية ومتنوعة من الاستثمارات العربية والأجنبية ، سواء في القطاعات الإنتاجية أو القطاعات الخدمية . وقد استطاعت المملكة توفير المرونة اللازمة والاستمرارية لتدفق هذه الاستثمارات في كلا المرحلتين الاقتصاديتين اللتين عاشتهما البلاد : مرحلة الشح الاقتصادي والنمو البطيء (ما قبل التدفق النفطي) ومرحلة الانطلاق الاقتصادي الكبير والتنمية المتصاعدة (المداخيل النفطية الكبيرة .وقد ساعد على تحقيق ذلك الجذب الاستثماري عدد من المزايا أهمها :
1 – استقرار النظامين السياسي والاقتصادي عبر العقود الماضية .
2 – الرصانة التي اتسمت بها المملكة في علاقاتها العربية والدولية ، ودرجة الثقة العالية التي تحظى بها لدى المستثمرين عموماً .
3 – إكتمال تجهيزات البنية الأساسية بمستويات راقية .
4 – توفر شبكة متكاملة من الأجهزة والمؤسسات المساندة مثل المصارف وشركات النقل والصيانة والإنشاء ومكاتب المحاسبة والمحاماة والاستشارات وشركات التأمين .
5 – وجود الهيئات الحكومية ذات الصلة بالاستثمار مثل صناديق الأقراض ومراكز الأبحاث والغرف الصناعية وهيئة المواصفات والمقاييس وشركة الصادرات ومركز تنمية الصادرات والمعارض الدولية وغيرها .
6 – إتساع السوق المحلية في العقدين الماضيين ورسوخ الاتجاهات الاستهلاكية وارتفاع القوة الشرائية بصورة متصاعدة ، إضافة إلى ربط أسواق بعض الدول المجاورة بأسواق المملكة .
7 – التواكب في النمو بين مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية ، مما يتيح استفادة هذه القطاعات من بعضها وانعدام الفجوات التي تعيق التكامل .
وقد تم حتى نهاية 1991م تحقيق عدد من الإنجازات الاستثمارية المتنوعة حيث بلغت المشاريع الصناعية المشتركة المنتجة حوالي 400 مشروع ، تصل استثماراتها الإجمالية إلى حوالي 70 بليون ريال . وتتمتع جميع المشاريع الصناعية المشتركة وكثير من المشاريع المشتركة الأخرى بحق الحصول على قروض حكومية ميسرة إضافة إلى سهولة الحصول على القروض التجارية المحلية . ولقد رافق النهضة الاقتصادية الكبرى في المملكة منتصف السبعينات توسع في النشاطات الاستثمارية بصورة عامة ، كما شهدت البلاد إقبالاً متزايداً من قبل أعداد كبيرة من المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار في المملكة والدخول في مشاريع مشتركة . وكان لابد من تنظيم هذه النشاطات والمحافظة على حقوق المستثمرين وكذلك تحديد مجالات الاستثمار التي تخدم أهداف التنمية . فقد تم إصدار نظام استثمار رأس المال الأجنبي عام 1979م ، كما أنشأت الدولة أمانة لجنة استثمار رأس المال الأجنبي والتي أجرت عدداً من الدراسات عن إعادة تقويم نظام استثمار رأس المال الأجنبي المعمول به حالياً ومحاولة تطوير الإجراءات المتبعة واختصار خطواتها . ويحظى الاستثمار المشترك في الحقل الصناعي بصورة خاصة بالعديد من المزايا والحوافز التي يتشكر في كثير منها مع الصناعات الوطنية وينفرد في بعضها ويعود ذلك إلى حداثة التجربة الصناعية وارتفاع مخاطرها وأهميتها المستقبلية . ومن أهم العوامل التي تجذب الاستثمارات المشتركة ملاءمة المناخ الاستثماري وجاذبيته ، إضافة إلى الحوافز والأنظمة التي توفرها الجهات الرسمية . ويعتبر المناخ الاستثماري للمملكة جيداً مقارنة بالعديد من الدول النامية . ولقد شارك عدد كبير من الهيئات والأجهزة الحكومية وشبه الحكومية والخاصة في الجهود المبذولة لتشجيع النشاط الاستثماري وترويج المشاريع المشتركة.