تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
مدونة

تخطيط الأحياء السكنية وملامسة احتياجات المجتمع

تخطيط الأحياء السكنية وملامسة احتياجات المجتمع

مع قرب حلول فصل الشتاء ذهبت إلى أحد محلات الخياطة لتفصيل ثوب شتوي. بدأ الخياط بأخذ المقاسات وإدراجها بدقة في دفتر خاص، ثم سألني مجموعة من الأسئلة تتعلق باحتياجاتي وتتمثل في: اللون والملمس والموديل.. وأسئلة أخرى تتعلق بالإمكانات الاقتصادية وحدود الميزانية المالية، لقد حاول الخياط أن يتفهم احتياجاتي وعرض لي مجموعة من البدائل والأفكار، ولم يكتف بذلك، بل قدم لي جملة من النصائح من واقع خبرته الواسعة للوصول إلى منتج نهائي يحقق أقصى درجات الرضا والسعادة!

في الحقيقة إن ما قام به هو محاولة ملامسة احتياجات المستفيد ومواءمتها باستخدام خبرته ومهاراته لتعكس منتجا نهائيا يحقق الأهداف، ويتكيف مع الظروف الاقتصادية والاحتياجات الوظيفية للمستهلك.
 تذكرت حينها واقعنا العمراني، وكيف يمكن أن نخطط أحياء سكنية تلامس احتياجات الإنسان وتعكس رغباته، هل حاولنا أن نستقرئ احتياجات السكان حول أحجام قطع الأراضي، وأنماط الوحدات السكنية، وطبيعة الخدمات والمرافق المرغوبة في الحي السكني؟ هل سألناهم عن مستويات الراحة والأمان داخل البيئة السكنية؟

إن تخطيط الأحياء السكنية يبدأ بجملة من المبادئ الأساسية التي تتضمن: فهم طبيعة وخصائص الموقع وعلاقته بالمحيط العمراني، وتحليل التركيبة السكانية واحتياجات المجتمع وظروفهم الاقتصادية.

يحاول المُخطط العمراني توليد أفكار تحاكي طبيعية الموقع واحتياجات السكان، لذلك، فإن نجاح تخطيط الحي السكني مرهون بالوصول إلى أعلى درجات المواءمة بين احتياجات الإنسان والبيئة المبنية، بمعنى آخر مدى قدرتنا على تشكيل بيئاتنا العمرانية لتحقق أقصى درجات السعادة للإنسان.

يسعى المُخطط العمراني لتحليل طبيعة الموقع من أجل التخصيص الأمثل لمواقع استعمالات الأراضي وتوزيع المرافق والخدمات، ليبدأ بتحليل طبيعة الأرض واتجاهات الميول وإمكانات الموقع، فالأراضي ذات التضاريس أو الطبيعية المتميزة يمكن تخصيصها تلقائيا لتتماشى مع الحدائق والخدمات الترفيهية في الحي السكني، أما الأراضي المنبسطة فيمكن تقسيمها إلى قطع سكنية ذات مساحات متنوعة تستجيب للتنوع الاقتصادي للسكان، وتتوزع عليها أنماط متنوعة من الوحدات السكنية تحاكي خصائص واحتياجات الأسر.

وهكذا ترتبط الأراضي السكنية في مجموعات (بلوكات تخطيطية) تحتوي على ساحات وملاعب أطفال يمكن أن تعزز مستويات الترابط الاجتماعي، وتتصل هذه المجموعات السكنية ببعضها من خلال مسارات مشاة آمنة تربطها بمركز الحي السكني.

أما مسارات حركة الآليات فتتوزع بشكل متدرج وصولا للمجموعات السكنية، مع تخصيص مساحات كافية لمواقف السيارات تتلاءم مع مستويات الكثافة السكانية.

يعمل المخطط العمراني على استقراء احتياجات المجتمع من خلال نماذج استطلاع الرأي أو المقابلات المباشرة مع السكان، كما يَعرض كل التصورات أو البدائل التخطيطية على المجتمع من خلال ورش العمل والمجالس البلدية للوصول إلى أعلى درجات الرضا المجتمعي.

في الواقع، لا تزال معظم أحيائنا السكنية بعيدة عن تطبيق المفاهيم والمبادئ العامة في تخطيط الأحياء السكنية، إنها ذات أنماط تخطيط متماثلة لا تترجم التنوع الاجتماعي واحتياجات السكان، هذه الأحياء أشبه بالقوالب الجاهزة والمكررة نجدها بارزة في المدن كشبكات مربعة ذات مساحات متساوية، وهي ليست نابعة من تخطيط عمراني حقيقي لكونها في الغالب لا تعكس مراحل المشاركة المجتمعية في تخطيط البيئات السكنية أو تحليل ظروف الموقع وإمكاناته.

في الختام، بقي أن أقول لكم إنني لم أجد الثوب الشتوي الذي يلامس احتياجاتي!

https://makkahnewspaper.com/article/1525584