تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
مدونة

البحث العلمي وتسول المعلومات؟!

البحث العلمي وتسول المعلومات؟!

قبل أكثر من عقد من الزمان عندما كنت منهمكا بجمع وتصنيف بيانات أطروحة الدكتوراه، بادرت بزيارة عدد من الجهات والمؤسسات لإجراء مقابلات واستطلاعات رأي والحصول على بعض البيانات الإحصائية اللازمة لإجراء البحث حاملا معي حقيبتي وبها مجموعة من خطابات تسهيل مهمة، وخطابات تعريف واستمارات، وأقلام رصاص، وقبل ذلك رافقتني أحلام التفوق، وآمال الإنجاز، وأماني النجاح.

في كل مرة أدخل فيها إلى جهة ما أواجه بكيل من الأسئلة التي لا تخلو من التجهم عن أسباب الدراسة ومجالها والغرض منها؟ يحاصرونني بالأسئلة الغريبة ويشعرونني بالتوجس والخيفة وكأني مخلوق فضائي غريب! لم أعرف ما هي الأسباب؟ ولم كل هذه الريبة؟
 كان البعض يرد سريعا على استفساراتي بعبارة «عفوا لا تتوفر لدينا أي بيانات»؛ في حين يتذرع الآخرون بأنها بيانات غير قابلة للتداول! لقد حاولت مرارا التواصل مع عدد من المسؤولين لإجراء مقابلات معهم ووفقت في الحصول على موافقة البعض منهم، ولكن الكثير كان يتلكأ ويتعذر بالانشغال! أما الآخرون فلم يكلفوا أنفسهم حتى بالرد أو الاعتذار.

أذكر أن أحدهم عندما زرته في مقر عمله وعد بتزويدي ببعض التقارير الإحصائية الحديثة، وناولته استبيانات ورقية وأقلام الرصاص التي تناثرت مني على عجالة فالتقطتها من الأرض وأنا بمنتهى السعادة على وعد منه أن يقوم هو وزملاؤه بالإجابة على الأسئلة، ثم رافقني إلى باب الجهة التي يعمل بها حتى يتأكد من خروجي. لقد كان يسايرني كطفل حتى خرجت من الباب، ثم أقفله في وجهي حينها؛ بل وأقفل جواله أيضا. بالنسبة لي، لم أخسر شيئا من هذا التصرف سوى أنني أشفقت عليه وعلى مؤسسته، أما أنا فكان لدي مجموعة من البدائل والخطط للتعامل مع البحث وإنجازه حتى في أحلك الظروف.

لقد خيل لي في كل مرة وأنا أواجه بمثل هذه الردود والأفعال المتكررة بأني (متسول) والرد المتوقع أن أسمعه دائماً هو «الله يعطيك» أو «ما عندنا شيء». لست أنا من واجه ذلك لوحدي؛ بل أجزم أن العديد من الباحثين وطلاب الدراسات العليا واجهوا مثل ذلك وأكثر.

هل يعلم المسؤول الذي يقوم بطرد الباحث وعدم التعاون معه وتسهيل مهمته أن هذا البحث ربما يكون سببا في تطوير آليات العمل وبرامجه؛ بل ولكامل المؤسسة التي يعمل بها؟ متى يعلم هذا المسؤول الذي أوصد على نفسه الأبواب وأحكم إغلاق وسائل التواصل أن هذا البحث الذي يعمل عليه طالب أو طالبة في مرحلة الماجستير أو الدكتوراه (مجانا) لربما كان أفضل من عشرات البحوث والدراسات الاستشارية والتي صرفت عليها مؤسسته الملايين؟ هل حاول هذا المسؤول أن يستجمع قواه ليستمع ولو قليلا إلى الباحث ويأنس لحديثه فربما كان البحث سببا في حل مشكلة أو قضية لطالما تعب هذا المسؤول وفريقه العظيم من إيجاد حل لها؟

إن البحث العلمي أحد الوسائل الهامة في تحقيق رؤية المملكة 2030؛ فالدلالات البحثية والتجارب والحلول والتوصيات التي يقدمها البحث العلمي تساعد صانعي القرار في التعامل الأمثل مع القضايا الحرجة؛ بل وتضع يدها على الإشكاليات دون رتوش أو مجاملات. البحث العلمي يعد وسيلة لمواجهة التحديات المستقبلية، ومدخلا هاما في الابتكار وتحسين أنماط حياتنا إلى الأفضل. فما أحوجنا لبناء جسور التعاون؛ بل لشراكة حقيقية بين الجهات الأكاديمية والقطاعات الأخرى، حتى نستفيد من المخرجات البحثية، المهم أن تكون هذه الاتفاقيات حقيقية بعيدا عن توقيع مذكرات التعاون الشكلية والتي لا تخلو من مظاهر المجاملات والبهرجة والتصوير، لتنتهي بالتصفيق وتبادل التهاني!