تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د.يحيى بن حسين الشريف

Assistant Professor

أستاذ القانون التجاري المساعد

كلية الحقوق والعلوم السياسية
كلية الحقوق والعلوم السياسية- قسم القانون الخاص- مكتب أ21
مدونة

المختصر المفيد في نظام المحاكم التجارية الجديد

المختصر المفيد في نظام المحاكم التجارية الجديد
مقال منشور بصحيفة مال بتاريخ 23 أبريل 2020

بالرغم من طول انتظار صدور نظام المحاكم التجارية، إلا أنه تضمن أحكام ومميزات تبرر ذلك، إذ يعتبر نقلة نوعية هامة في تطور القضاء التجاري بالمملكة لما يشتمل عليه من أحكام تهم التجار والمتعاملين معهم والقضاء التجاري والحياة التجارية من جانب، ومواكبة رؤية المملكة الطموحة 2030 الهادفة لتحقيق اقتصاد مزدهر من جانب آخر. وحتى تنقضي فترة 60 يوماً من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، فإن نظام المرافعات الشرعية يبقى مطبقاً على القضايا المنظورة أمام المحاكم التجارية، كما يطبق بعد ذلك على الدعاوى التجارية بما لا يخالف طبيعتها وفيما لم يرد به نص خاص في نظام المحاكم التجارية. ويتكون النظام من 96 مادة مقسمة على أحد عشر باباً. ومع أنه ألغى كل ما يتعارض معه من أحكام، إلا أنه لم يلغي المواد الموضوعية السارية حتى الآن في نظام المحكمة التجارية الصادر عام 1351هـ، وأهمها المادة الثانية المتعلقة بتحديد الأعمال التجارية الأصلية والتبعية.
 
ويمكن القول بأن هذا النظام قائم على مرتكزات أساسية أهمها على سبيل المثال لا الحصر، سرعة الفصل في الدعوى وتوفير الوقت والجهد، سهولة الإجراءات، تشجيع اللجوء للوسائل السلمية لحل المنازعات، كفاءة العملية القضائية، توظيف التقنية والتكنولوجيا، تشجيع دور المحاماة، الاهتمام بحرية الأطراف، تعزيز ودعم الشفافية، تقدير خصوصية التجار، الاهتمام بالقواعد العامة في القانون التجاري كالإعذار والتقادم وإمكانية الإثبات بكافة الوسائل وإمكانية النفاذ المعجل في بعض الحالات وتقرير أهمية العرف والعادات التجارية.
 
فمن حيث السرعة وتوفير الوقت والجهد من جانب، وسهولة الإجراءات من جانب آخر، فقد تم تسهيل التواصل والتنسيق بين الدوائر من خلال تأليف المحاكم التجارية من دوائر ابتدائية واستئنافية في ذات المحكمة، على خلاف المعمول به من فصل المحاكم الابتدائية عن محاكم الاستئناف، وجواز تأليف هذه الدوائر من قاض واحد بدلاً من ثلاثة. ومنعاً لتأخير الفصل في الدعوى بسبب المشاكل المتعلقة بعناوين التبليغ، فقد تم التوسع في ذلك من خلال إمكانية التبليغ على العنوان الالكتروني الموثق أو المختار، أو العنوان المدون في السجل التجاري أو المعتمد لدى البريد، وغيرها من العناوين الواردة في النظام، كما يمكن للطرف اختيار عنوان محامٍ لتلقي التبليغات عليه. بالإضافة إلى أنه تم توضيح آلية التبليغ على العناوين الإلكترونية المختلفة كإرسال رسالة نصية للهاتف المحمول الموثق، أو الإيميل الموثق أو المختار. ولتوفير الوقت والجهد في القضايا التي قد يحكم فيها بعدم الاختصاص النوعي، فقد أجيز للمحكمة الفصل استقلالاً في الدفع بعدم الاختصاص النوعي في مدة لا تتجاوز 20 يوماً من تاريخ الدفع وذلك في حال استشكل على المحكمة اختصاصها النوعي، مع بقاء نظرها لأصل النزاع قائماً. وفي ذات السياق، فإنه يلزم المدعي تقديم جميع الطلبات والمستندات في صحيفة الدعوى بدلاً من تجزئتها أثناء الجلسات، وفي المقابل يقوم المدعى عليه بتقديم جميع دفوعه ومستنداته والإثباتات قبل موعد الجلسة الأولى بيوم واحد على الأقل. كما جُعل الأصل في إجراءات نظر الدعوى والمرافعات أمام المحكمة بمذكرات مكتوبة، مع جواز سماع الدعوى بشكل شفهي إذا رأت الدائرة ذلك، وإتاحة الفرصة للأطراف أيضاً في التقدم بطلب عقد جلسات شفهية تسمع فيها ملخص لأقوالهم ودفوعهم. فضلاً عن ذلك، فإنه يجوز تأليف دائرة ابتدائية مكونة من قاضٍ فرد تختص بنظر الطلبات المستعجلة، وتقوم بالفصل في هذا الطلب خلال 3 أيام عمل من تاريخ إحالته إليها، مما سيكون له بالغ الأثر في سرعة البت في هذه الطلبات التي لا تحتمل التأخير وتقتضي طبيعتها ذلك. ومن أجل عدم تأخير النطق بالحكم حتى كتابته وإيداع مسودته في بعض الدعاوى التي ستحددها اللائحة التنفيذية، فقد أُجيز النطق بالحكم قبل إيداع المسودة، وأُلزِمت المحكمة بضرورة تسليم الأطراف نسخة من الحكم خلال مدة لا تتجاوز 20 يوماً من تاريخ النطق به. ومن أهم ما ورد في النظام بشأن رد الحقوق إلى أصحابها مع اختصار الوقت والجهد والنفقات هي أوامر الأداء، إذ يمكن للدائن التقدم للمحكمة بطلب إصدار أمر بأداء الدين بشرط أن يكون الحق ثابت بالكتابة وحال الأداء ومعين المقدار، مع ضرورة إشعار المدين كتابةً بطلب الوفاء قبل 5 أيام على الأقل من التقدم للمحكمة، ويفصل في الطلب خلال 10 أيام. كما أجاز النظام رفع الدعاوى الجماعية على التاجر، وأقر فكرة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة. ولأهمية الدور الذي تلعبه الوسائل السلمية لحل المنازعات في سرعة فصلها، فقد أعطى النظام مساحة للأطراف من أجل حل النزاع بالمصالحة أو الوساطة، إذ لا يجوز لهم اللجوء إلى المحكمة التجارية في بعض الدعاوى التي ستحددها اللائحة إلا بعد إثبات عدم التوصل لحل من خلال المصالحة والوساطة خلال 30 يوماً من بدئها، ومن شأن ذلك تعزيز ثقافة حل المنازعات بالطرق الودية مما سيخفف – ولو جزئياً – العبء الملقى على عاتق المحاكم التجارية.
 
أما من حيث الكفاءة في التعامل مع العملية القضائية، فإن ذلك يتضح من حيث إمكانية الاستعانة بالقطاع الخاص وتفعيل دوره تجاه القضاء التجاري من خلال إسناد بعض الأمور إليه، كإجراء المصالحة والوساطة بين الخصوم، والقيام بالتبليغ والإشعارات القضائية، وقيد الدعوى وإدارة الجلسات وتبادل المذكرات وغيرها من الأمور الواردة بالنظام. فضلا عن إمكانية الاستعانة بخريجي ودارسي الشريعة والأنظمة كأعوان للقضاة، وهو الأمر الذي سيساعد في إدارة ملفات الدعوى وتفريغ القاضي لنظر النزاع من جهة، وسيفتح المجال للكثير من طلاب الشريعة والأنظمة بالتدرب في المحاكم لتوسيع المدارك وصقل المهارات من جهة أخرى. ولأهمية إدارة واحترام الجلسات وإجراءات الدعوى وحث الأطراف على الالتزام بواجباتهم أثناء العملية القضائية، فإن للمحكمة عند إخلال أحد الأطراف بالإجراءات أو نظام الجلسات توقيع غرامة مالية لا تتجاوز 10 الآف ريال، ويعد أمرها في ذلك نهائياً، ولها كذلك فرض نفس العقوبة في حال تخلف أحد الأطراف عن تقديم مذكراته أو ما طلب منه في المواعيد المحددة دون عذر. وفي سياق الحديث عن كفاءة العملية القضائية، فإن من أهم مميزات النظام الاهتمام البالغ بإرادة وحرية أطراف الدعوى، إذ أجاز لهم الاتفاق على الاختصاص المكاني للمحكمة، والاتفاق على أن يكون حكم الدائرة الابتدائية حكماً نهائياً، وإمكانية الاتفاق على قواعد محددة في الإثبات، مع جواز الاتفاق على نقل عبء الإثبات، ومنحهم متى كانوا تجاراً الحرية في الاتفاق على إجراءات الترافع وما يتصل به. ولأهمية التكنولوجيا ومواكبة التطور التقني، فقد أجاز النظام أن تتم أي من إجراءات الدعوى بشكل إلكتروني، كتقديم الدعاوى والطلبات وقيدها ونظرها، وإمكانية الترافع عن بعد وتبادل المذكرات وإصدار الحكم والاعتراض عليه. كما رفع سقف الدعاوى اليسيرة غير القابلة للاستئناف إلى خمسين ألفاً مع إعطاء المجلس الأعلى للقضاء الحق في تحديد مبلغ أقل، وذلك من أجل التفرغ للقضايا الكبيرة والمعقدة. ومن الأمور المهمة والتي ستعزز وترفع معدل الكفاءة هو وجوب قيد الدعوى ورفعها وتقديم مذكرات الاعتراض في بعض القضايا التي ستحددها اللائحة التنفيذية من قبل محامين فقط، ما يعزز دور المحاماة ويساهم في التطبيق الصحيح للنظام وتسهيل الدعوى على ناظر القضية، إذ أن المحاماة تعتبر شريك أساسي في تحقيق العدالة وتسهيل سير العملية القضائية.
 
ولتعزيز ودعم الشفافية ولما للاطلاع على الدعاوى التجارية من أهمية للتجار وغيرهم، فقد أتيح للعامة إمكانية الاطلاع على بيانات الدعاوى التجارية وأوراقها ومستنداتها نظير مقابل مادي، إلا أنه في المقابل يجوز لكل ذي مصلحة التقدم بطلب إضفاء السرية على بعض الأوراق والمستندات، فضلاً عن إمكانية التقدم بطلب للدائرة للاطلاع على مستندات الطرف الاخر. وليس هذا فحسب، بل أقر النظام نشر الأحكام التجارية النهائية لما في ذلك من أهمية في إثراء الحقل القضائي والقانوني ومساعدة الباحثين على معرفة الواقع القضائي التجاري والتعليق على الأحكام والاستفادة منها. بالإضافة إلى إقرار حجية المبادئ القضائية الصادرة من المحكمة العليا، ما سيؤدي بدوره لتقليل الاجتهاد والحد من تضارب الأحكام في العديد من المسائل. وتقديراً لخصوصية الحياة التجارية وظروف التجار وانشغالاتهم، فقد أجيز تقديم الشهادة مكتوبة، مع عدم الحاجة إلى تزكية الشهود في الدعوى، إذ تقدر المحكمة عدالتهم من خلال ظروف القضية وملابساتها.
 
وفي ضوء المميزات التي أقرها النظام، فقد تم النص على عدد من قواعد القانون التجاري الهامة منها، (قاعدة حرية الإثبات) إذ يمكن الإثبات في المسائل التجارية بكافة الطرق بما فيها الأدلة الالكترونية كالمحرر الالكتروني، والوسائط الالكترونية ووسائل الاتصال، والبريد الالكتروني، والسجلات الالكترونية وغيرها مما ستحدده اللائحة. ومن أجل استقرار المعاملات وتخفيف العبء عن كاهل القضاء التجاري، فقد قرر النظام قاعدة هامة هي (تقادم الدعوى التجارية)، إذ لا تسمع الدعوى التجارية بعد مضي خمس سنوات من تاريخ نشؤ الحق المدعى به، مالم يقر المدعى عليه بالحق أو يتقدم المدعي بعذر تقبله المحكمة. ولأن أصل القانون التجاري نابع من الأعراف التجارية ومن الصعوبة بمكان تقنين جميع المعاملات التجارية ورغبة من المنظم في سد أي فراغ تنظيمي، فقد أجاز الاستناد إلى (قواعد العرف التجاري والعادات التجارية) بين الأطراف، وجعل عبء إثبات وجودها على من يتمسك بها. كما أتيح في بعض الدعاوى التي ستحددها اللائحة التنفيذية وجوب قيام المدعي بإخطار المدعى عليه (قاعدة الإخطار أو الإعذار) كتابةً بأداء الحق المدعى به قبل 15 يوماً على الأقل من إقامة الدعوى، ويعد هذا خروجاً عن القواعد العامة في القانون التجاري التي لا تشترط الاخطار كتابةً في المسائل التجارية وإمكانية ذلك بأي طريقة ممكنة. بالإضافة لذلك، فقد تم ذكر حالات تكون فيها الأحكام والأوامر مشمولة (بالنفاذ المعجل) بقوة النظام، وهي في حالة أن الحكم أو الأمر صادر في دعوى مستعجلة، وفي حالة أوامر الأداء المذكورة في النظام. كما يجوز للمحكمة بناءً على طلب المحكوم له أن تقرر شمول الحكم بالنفاذ المعجل في حالة ترتب على تأخير التنفيذ ضرر جسيم، أو كان الحكم مبنياً على الإقرار بالحق أو ورقة عادية لم ينكرها المحكوم عليه.
 
هذا وقد حصل تغيير فيما يتعلق بالاختصاص النوعي في المعاملات المختلطة التي تكون تجارية لطرف ومدنية لطرف آخر، فلا تختص المحاكم التجارية بنظرها إلا إذا كان المدعى عليه تاجراً والمنازعة في عقد تجاري متعلق بخدمة تجارته، وكانت المطالبة الأصلية تزيد عن 100 ألف ريال. أما لو كانت قيمة المنازعة العقدية أقل من 100 ألف ريال، أو كانت المنازعة قائمة على أساس المسؤولية التقصيرية الناتجة عن الأخطاء التي يرتكبها التاجر أو أحد عماله بمناسبة أعماله التجارية فإنها تخرج عن اختصاص المحاكم التجارية. ويبدو أن المنظم يريد من ذلك تقليل عدد الدعاوى التي ترفع على التجار من قبل المدنيين أمام المحاكم التجارية، من أجل تخصيص القضاء التجاري – قدر الإمكان – للقضايا التجارية البحتة الناشئة بين التجار. كما تختص المحاكم التجارية بنظر الدعاوى والمخالفات الناشئة عن تطبيق الأنظمة التجارية كنظام الشركات والإفلاس والملكية الفكرية وغيرها من الأنظمة التجارية الأخرى. واقتصر على اختصاص المحاكم التجارية بنظر منازعات الشركاء في شركة المضاربة فقط، دون بقية الشركات المعروفة في الفقه الإسلامي. وأخيراً، فإنه أضيف للمحاكم التجارية الاختصاص بنظر دعاوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن دعوى سبق نظرها أمام المحكمة التجارية كتلك التي يرفعها المحامي على العميل لتقاضي الأتعاب والتعويضات الناشئة عن تأخيرها إن وجدت.