تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د.يحيى بن حسين الشريف

Assistant Professor

أستاذ القانون التجاري المساعد

كلية الحقوق والعلوم السياسية
كلية الحقوق والعلوم السياسية- قسم القانون الخاص- مكتب أ21
مدونة

محطات التحكيم الإداري في السعودية

تسري أحكام نظام التحكيم السعودي على أي تحكيم سواءً كان مدنياً أم تجارياً أم إدارياً، بيد أن الأخير مقيد بالحصول على موافقة مسبقة من رئيس مجلس الوزراء وفقاً للمادة العاشرة من نظام التحكيم. وبعد صدور نظام المنافسات الجديد في عام 1440هـ أجازت مادته (92) للجهة الحكومية بعد موافقة وزير المالية الاتفاق على التحكيم وفقاً للضوابط الواردة في اللائحة التنفيذية. ما يثير سؤالاً حول نوع الموافقة التي يجب على الجهة الحكومية الحصول عليها قبل اللجوء إلى التحكيم، فهل تكون هذه الموافقة من رئيس مجلس الوزراء وفقاً لنظام التحكيم أم من وزير المالية وفقاً لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية؟

ولكن قبل الإجابة فإنه من المناسب الحديث عن المحطات التاريخية للتحكيم الإداري في السعودية، الذي يستلزم بدوره الرجوع بالذاكرة قليلاً إلى ما قبل قضية (أرامكو الشهيرة) وتقسيم الموضوع إلى خمس محطات أو مراحل:

أولاً: مرحلة ما قبل خسارة المملكة لقضية أرامكو الشهيرة في عام 1958م: (جواز التحكيم بدون قيود)
كان يجوز الاتفاق على التحكيم في عقود امتياز البترول، ومن الأمثلة على ذلك شرط التحكيم المدرج في اتفاقية امتياز التنقيب عن نفط الأحساء الممنوح للشركة الشرقية والنقابة العامة المحدودة التابعة للبريطاني فرانك هولمز في عام 1923م/1341هـ، وعقد الامتياز الممنوح لشركة ستاندرد أويل أف كاليفورنيا (سوكال) في عام 1933م/1351هـ، وكذلك العقد المبرم مع الشركة اليابانية للبترول في عام 1955م/1375هـ.  فضلا عن ذلك فقد كان نظام المحكمة التجارية الصادر عام 1351هـ/ 1932م يجيز الاتفاق على التحكيم بدون قيود. وفي عام 1958م خسرت المملكة قضية تحكيم هامة ضد شركة ستاندرد أويل أف كاليفورنيا والمشهورة (بقضية أرامكو).  

ثانياً: مرحلة ما بعد خسارة المملكة لقضية أرامكو الشهيرة في عام 1958م: (حظر التحكيم باستثناء عقود الامتياز الهامة)
تغير موقف المملكة بشأن جواز التحكيم وتجلى ذلك بصدر قرار مجلس الوزراء رقم (85) في عام 1383هـ، والذي منع الحكومة السعودية وأجهزتها من إحالة أي نزاع للتحكيم، لكنه استثنى اتفاقيات الامتياز التي يكون للمملكة فيها مصالح حيوية، فأجاز إدراج شرط التحكيم فيها وخاصة تلك المتعلقة بالبترول إذ كانت شركات البترول الأجنبية تصر على التحكيم، وذلك كالعقد الموقع مع الشركة الإيطالية (أجيب) في عام 1967م، والعقد الموقع مع الشركة الفرنسية (سانكلير) في عام 1967م.

ثالثاً: مرحلة ما بعد صدور نظام التحكيم الملغي لعام 1403هـ/ 1983م: (حظر التحكيم دون استثناء)
حظرت المادة الثالثة على الجهات الحكومية اللجوء إلى التحكيم إلا بعد الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء من دون أي استثناء في ذلك. ويجوز بقرار من مجلس الوزراء تعديل هذا الحكم.

رابعاً: مرحلة ما بعد صدور نظام التحكيم الساري لعام 1433هـ/ 2012م: (الأصل الحظر، ما لم يوجد نص خاص بالجواز)
لم يتغير الوضع وبقي الحظر قائماً بنص المادة العاشرة، إلا أنه أعطي للجهة الحكومية الحق في اللجوء إلى التحكيم إذا كان هناك نص نظامي خاص يجيز لها ذلك. على سبيل المثال ورد في المادة (58) من نظام الاستثمار التعديني أنه: " يجوز الاتفاق على تسوية أي نزاع أو خلاف ينشأ بين مرخص له والوزارة عن طريق التحكيم وفقاً لأحكام نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية.. “. والنص ذاته وارد في المادة (13) من نظام الكهرباء. ولكن الملاحظ بأن هذان النصان قيدا حق الجهة الحكومية في الاتفاق على التحكيم بنظام التحكيم الذي يتطلب موافقة مسبقة من رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي يظل القيد في نظام التحكيم كما هو. 

خامساً: مرحلة ما بعد صدور نظام المنافسات والمشتريات الحكومية لعام 1440هـ ولائحته التنفيذية لعام 1441هـ:
منحت المادة (92) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، الجهة الحكومية بعد موافقة وزير المالية حق اللجوء للتحكيم، دون حاجة لموافقة رئيس مجلس الوزراء. وبينت المادة (154) من اللائحة التنفيذية الشروط اللازمة توافرها وهي: "1- أن يقتصر التحكيم على العقود التي تتجاوز قيمتها التقديرية (مائة مليون) ريال، ويجوز للوزير تعديل هذا الحد وفق ما يراه مناسباً. 2- أن يتم تطبيق أنظمة المملكة العربية السعودية على موضوع المنازعة. ولا يجوز قبول التحكيم لدى هيئات تحكيم دولية خارج المملكة وتطبيق إجراءاتها إلا في العقود مع الأشخاص الأجانب. 3- أن ينص على التحكيم وشروطه في وثائق العقد".

وبعد هذا الاستعراض لمحطات ومراحل التحكيم الإداري في السعودية، وللإجابة على السؤال المذكور آنفاً حول نوع الموافقة التي يجب على الجهة الحكومية الحصول عليها للجوء إلى التحكيم، فإنه بالجمع بن النص الوارد في نظام التحكيم والنص الوارد في نظام المنافسات والمشتريات الحكومية يتضح أنه في حال توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة (154) من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات بأن كانت الجهة الحكومية ترغب في اللجوء إلى التحكيم بشأن عقد إداري تم النص فيه على التحكيم لحل الخلافات تتجاوز قيمته التقديرية مائة مليون ريال أو وفقاً للقيمة المعدلة من قبل وزير المالية في حال تعديلها، وكانت أنظمة المملكة هي المطبقة على موضوع النزاع، وكان مكان التحكيم بالنسبة للعقود التي تبرم مع أشخاص سعودية داخل المملكة، مع عدم ضرورة الالتزام بالتحكيم الداخلي في العقود المبرمة مع الأشخاص الأجانب، فإن الجهة الحكومية تتقدم بطلبها في الحصول على الموافقة للجوء إلى التحكيم بشأن العقد إلى وزير المالية.

أما إذا انتفت هذه الشروط المذكورة فإن على الجهة الحكومية الرفع إلى رئيس مجلس الوزراء بشأن الحصول على موافقة من أجل اللجوء إلى التحكيم، تقيداً بنص المادة العاشرة من نظام التحكيم السعودي.
د. يحي الشريف 
2020/6/28